للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقول - رضي الله عنها-: "فأقمنا مع خير جار في خير دار" (١).

عباد الله! لما فشلت قريش في محاولتها الغادرة وهي إرجاع المهاجرين من أرض الحبشة إلى مكة، أخذوا يصبوا العذاب صباً على المسلمين في مكة ويضيقون عليهم.

"فهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حين ضاقت عليه (مكة) وأصابه فيها الأذى، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما رأى؛ استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة، فأذن له" (٢).

عباد الله! تعالوا بنا لنستمع إلى عائشة -رضي الله عنها- وهي تخبرنا الخبر، تقول -رضي الله عنها-: "لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم، إلا يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى بلغ بَرْك الغماد -وهو موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن- لقيه ابن الدُّغنة -وهو سيد القارة (٣) - فقال: أين تريد يا أبا بكر؟

فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدَّغنة: إن مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع، وارتحل معه ابن الدَّغنة فطاف ابن الدَّغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا


(١) انظر "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص. ١٧ - ١٧٧).
(٢) انظر "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ٢١٢).
(٣) القارة: قبيلة مشهورة، يضرب بهم المثل في قوة الرمي.