للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباد الله! وفي قوله تعالى: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}.

بعد أن بين الله -تبارك وتعالى- كيف يتعامل الصحابة مع الخلق، يخبرنا عنهم كيف يتعاملون مع الخالق؛ فهم يتقربون إلى الله -عز وجل- بالأعمال الصالحة تراهم {رُكَّعًا سُجَّدًا} وفي موضع آخر {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}.

ماذا يريدون بهذه العبادة؟ {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} يريدون بعبادتهم وجه الله، يريدون بعبادتهم رضا الله والجنة، إيمان صادق، أعمال صالحة، إخلاص لله -عز وجل-. فظهر ذلك على وجوههم قال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} انظر إلى رجل في صلاة الفجر بات لله ساجداً وقائماً ترى النور يعلو وجهه، وانظر إلى رجل ترك الصلاة وأكل الربا وبات على معصية الله ترى على وجهه السواد والغبرة، ثم يخبر ربنا جل وعلا أن مثل الصحابة هذا موجود في التوراة قبل تحريفها {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} انظر إلى النبات كيف يبدأ صغيراً ثم يكبر، ثم يخرج شطأه -أي فراخه- ثم يثمر ويعجب الزراع حينذاك.

فالصحابة بدأوا قلة ثم كثروا ثم قامت لهم قائمة، ثم كانت لهم دولة فغاظوا بذلك الكفار وفتحوا الدنيا من مشرقها إلى مغربها. ولذلك وعدهم الله تعالى بالمغفرة والأجر العظيم.

فقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)}.