للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصبر، ولم يوافق ملك الجبال على هلاكهم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧].

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟

قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة (يعني عقبة الطائف)، إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتامره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمَّد! إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ - جبلان بمكة-، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً" (١).

إنها أخلاق النبوة، إنها الرحمة، ورجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة، وكان بيده أن يتخلص من الكفار، وأن يستريح من شرهم، وأن يمسك هو الحكم ليقوم بما يريد، ولكن ليس بهذه الطريقة جاء الأنبياء إلى هذه الأرض، إنهم جاءوا لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور.


(١) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٣٢٣١)، ومسلم (رقم ١٧٩٥).