الديار في مكة خلت، والمسلمين هاجروا إلى المدينة، سعت بشتى الطرق إلى عرقلة الهجرة إلى المدينة، وإثارة المشاكل أمام المهاجرين، مرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم، ولكنه يهاجر فالدين عنده أغلى من كل شيء، ومرةً بحجز أموالهم ومنعهم من حملها، ومرةً بالاحتيال لإعادتهم إلى مكة، لكن شيئاً من ذلك كله لم يعق موكب الهجرة، فالمهاجرون كانوا على أتم الاستعداد للانخلاع عن أموالهم وأهليهم ودنياهم كلها تلبية لداعي العقيدة.
عباد الله! وهذه أمثلة أضعها بين أيديكم لتعلموا الصعوبات التي كانت أمام المسلمين عندما هاجروا من مكة، ومع ذلك هاجروا فراراً بدينهم وطاعة لربهم، فالدين عندهم أغلى شيء،
فهذا أبو سلمة - رضي الله عنه - أخذوا منه زوجته وابنه ليمنعوه من الهجرة فلم يمنعه ذلك من الهجرة إلى المدينة فراراً بدينه الذي هو أغلى من كل شيء.
فتعالوا بنا عباد الله! لنستمع إلى أم سلمة - رضي الله عنها- وهي تخبرنا الخبر، تقول أم سلمة -رضي الله عنها-: "لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رَحَلَ لي بعيره، ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بعيره فلما رأته رجال بني المغيرة (وهم أصهاره) قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد ورهط أبي سلمة. قالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة. قالت: فَفُرِقَ بيني وبين زوجي وبين ابني، قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس