قال: فأناح وأناخ ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عَدَوا عليه فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن.
قال: فكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة؛ قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم.
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؛ أنزل الله- تعالى- فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٥٥)} [الزمر: ٥٣ - ٥٥].
قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص قال: فقال هشام: فلما أتتني خرجت بها إلى ذي طوى (واد بمكة) أُصَعِّدُ فيها النظر وأُصَوِّبه لأفهمهما، حتى قلت: اللهم فهمنيها؟ قال: فألقى الله -تعالى- في قلبي، أنها إنما أُنزلت فينا، وفيما كنا نقول لأنفسنا، ويقال فينا.
قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١).
عباد الله! حيل، عراقيل، صعوبات، وضعتها قريش أمام المهاجرين المسلمين من مكة إلى الدينة، ومع ذلك هاجروا فراراً بدينهم، فالدين عندهم أغلى شيء.
عباد الله! هذه ثلاثة نماذج لما كان المشركون في مكة يفعلونه بمن يريد
(١) "سيرة ابن هشام" (١/ ٤٧٤) بإسناد حسن لذاته انظر "السيرة النبوية الصحيحة" (ص ٢٠٤ - ٢٠٦).