للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباد الله! ورغم استبسال الصحابة - رضي الله عنهم - في الدفاع عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقد أُصيب إصابات كثيرة منها: كُسرت رُباعيته، وسال الدم من وجهه، ووقع - صلى الله عليه وسلم - في حفرةٍ ودخلت حلقة المغِفر في وجنتيه، وجعل- صلى الله عليه وسلم - يقول: "كيف يُفلح قومٌ شجوا نبيهم وكسروا رباعيتهُ، وهو يدعوهم إلى الله".

فأنزل الله -عز وجل-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)} [آل عمران: ١٢٨] (١).

عباد الله! وقد أُشيع بين الصحابة - رضي الله عنهم- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قُتل، فاغتم المسلمون غماً على غمهم، وحزناً على حزنهم، وتولى بعضهم إلى المدينة وانطلقت طائفة فوق الجبل، واختلطت على الصحابة أحوالهم فما يدرون كيف يفعلون. كما قال تعالى: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} وقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)} [آل عمران: ١٤٤].

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: ١٥٥].

عباد الله! أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في الانسحاب بالبقية الباقية حوله حتى انتهى بهم إلى الشِّعب، وأرادت قريش أن تمنع هذا الانسحاب ولكن


(١) رواه مسلم (رقم ١٧٩١).