للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكذبون رسُلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق" (١).

عباد الله! ثم قام - صلى الله عليه وسلم - يتفقد أصحابه ويجمع الشهداء، وحمل نفرٌ من المسلمين شهداءهم ليدفنوهم بالمدينة في مقابر أهلهم فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادفنوا الشهداء في مضاجعهم" (٢).

ومن هنا كانت السنة عدم نقل الموتى من بلدٍ إلى بلدٍ.

وقام - صلى الله عليه وسلم - بنفسه يشرف على دفن الشهداء، وأمر أن يُدفنوا في ثيابهم ودمائهم ولم يُغسِّلهم ولم يصل عليهم، وكان ربما جمع الشهيدين والثلاثة في قبر واحد، لكنه كان يقول: "أيهم أكثر أخذاً للقرآن فإذا أُشير إلى أحدٍ منهم قدمه في اللحد على أصحابه" (٣) إكراماً لأهل القرآن.

فلما فرغ من دفنهم قام ينظر إليهم، ويشهد لهم شهادة لا تُرد أبداً إن شاء الله تعالى، قام يقول: "أنا شهيدٌ على هؤلاء، ما من جريح جُرحَ جرحاً في سبيل الله إلا أتى يوم القيامة ينزف جرحه، اللون لون الدم والريح ريح المسك".

عباد الله! ثم عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر النهار من يوم السبت، السادس من شوال، من السنة الثالثة للهجرة، فلما بات ليلة الأحد خاف - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع العدو إلى المدينة مرة أخرى، فانتدب سبعين من أصحابه يخرجون في إثر العدو.

عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قرأت قول الله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: ١٧٢].


(١) صحيح انظر: "فقه السيرة" (ص ٢٨٤ - ٢٨٥) تحقيق الألباني.
(٢) "صحيح سنن النسائي" (١٨٩٣).
(٣) رواه البخاري (رقم ١٣٤٣).