قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه، حتى يكون آخركم رجلاً واحداً، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركبٍ جميعاً، قالوا: نِعم ما أَمرتْ به، فقام كلُّ واحدٍ منهم فحفر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت، لا نضرب في الأرض، ولا نبتغي لأنفسنا لعجز، فعسى الله أن يرزقنا ماءً ببعض البلاد، ارتحلوا، فارتحلوا. حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون، تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به، انفجرت من تحت خفها عينٌ من ماء عذب، فكبَّر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه، واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش، فقال: هلمّ إلى الماء، فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا، فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا: قد والله قضى لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشداً، فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلوا بينه وبينها (١).
عباد الله! حدث عظيم وما منكم إلا وقد شرب من هذا البئر، لا ينقطع أبداً مهما أخذ منه، فهو يتدفق بأمر الله سبحانه وتعالى يسقي الحجيج.
عباد الله! ومن الأحداث التي حدثت قبل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(١) انظر "مغازي ابن إسحاق" (ص ٣)، "سيرة ابن هشام" (١/ ١٧٩ - ١٨١)، "دلائل النبوة" (١/ ٩٣) للبيهقي، "وقفات تربوية" "السيرة النبوية الصحيحة".