ونصر دينه، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وخضعت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ خافت هوازن وثقيف -وهي من أشرس وأقوى القبائل العربية- وقالوا: قد فرغ محمَّد لقتالنا، فلنغزُه قبل أن يغزونا، وأجمعوا أمرهم على هذا، وولَّوا عليهم مالك بن عوف سيد هوازن.
عباد الله! وكان مالك بن عوفٍ شجاعاً مقداماً، إلا أنه سقيمُ الرأي سيءُ المشورةِ، فلما اجتمعت قبائل العرب إليه، وجعلوا أمرهم بين يديه؛ أمرَ الناس أن يُخرجوا نساءهم وأبناءَهم وأموالهم معهم؛ ظنًّا منه أن هذه الأموال وتلك الأولاد؛ تحمل الرجال على الثبات عند اللقاء دفاعاً عنها.
عباد الله! ورفض هذا الرأي أعرابيٌ كبيرٌ مُحنّك، هو دُرَيدُ بنُ الصِّمة وقال له: إنك إن نُصرت لن ينفعك إلا رجلٌ بسفيه ورمحه، وإن كانت الأخرى فُضحت في نسائِك وأَموالك، فسفَّه مالك رأيه وأصرَّ على خُطتِه.
عباد الله! ووضع مالك بن عوفٍ قائد المشركين خطته لخوض المعركة ضد المسلمين على النحو التالي:
أولاً: حشر نساء المقاتلين وأطفالهم وأموالهم خلفهم، وقصد من وراء هذا التصرف؛ دفع المقاتلين إلى الاستبسال والثبات أمام أعدائهم لأن المقاتل -من وجهة نظره- إذا شعر أن أعزّ ما يملك وراءه في المعركة، صعُبَ عليه أن يلوذ بالفرار مخلفاً ما وراءه في ميدان المعركة.
ثانياً: رتب قومه بشكل صفوفٍ؛ قدَّم الخيل ثم المقاتِلة ثم النساء ثم الغنم ثم الإبل.
ثالثاً: رفع الروح العنوية لدى جنوده؛ بأن وقف فيهم خطيباً يحثهم على الثبات والاستبسال وأمرهم أن يُجردوا سيوفهم، وقال لهم:"إذا أنتم رأيتم القوم فاكِسروا جفون سيوفكم، وشدوا شدة رجل واحدٍ عليهم".