عباد الله! وعندما أعلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النفير العام في المدينة، وكان ذلك وقت جني التمر وطيب الثمار واشتهاء الظلال، شقَّ ذلك على بعضهم، فعاتب الله الذين تباطئوا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨)} [التوبة: ٣٨].
وقد طالبهم الله في كتابه بأن ينفروا شباباً وشيوخاً، وأغنياء وفقراء. بقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١)} [التوبة: ٤١].
عباد الله! ولقد استطاع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن يحشد ثلاثين ألف مقاتل من المهاجرين والأنصار وأهل مكة والقبائل العربية الأخرى.
وحزن الفقراء من المؤمنين الصادقين لأنهم لا يملكون نفقة الخروُج إلى الجهاد.
جاء سبعة رهطٍ من الفقراء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - يسألونه أن يحملهم فقال:"لا أجد ما أحملكم عليه"، فرجعوا يبكون حزناً ألا يجدوا ما ينفقون فهذا عليَّةُ ابن زيد - رضي الله عنه - أحد البكاءين، قام بالليل فصلى لله وبكى ثم ناجى الله -تبارك وتعالى- قائلا: اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ولم تجعل في يدي ما أتقوى به، ولم تجعل عند رسولك ما يحملني عليه، اللهم إنِّي تصدَّقت الليلة على كل مسلم بأي مظلمة أصابني بها، في عرضي أو مالي أو جسدي، ثم أصبح بين الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أين المتصدِّق الليلة؟ " فليقم، فقام