للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه مفسدة عظيمة، أن يعتقد الإنسانُ فضيلةَ يومٍ ولا يكون فيه فضيلة، فيكون قد شرع شيئًا لم يشرعه الله، وقد أشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصومٍ، وعن قيام ليلته، وذلك لما فيه من المفسدة، باعتقاد كونه فاضلًا على غيره ينبغي أن يُخصَّ بعملٍ، وهذا اعتقاد فاسد منهيٌّ عنه، فكذلك مَسْألتنا.

ومن قال: أنا أفعل ذلك وهذا الوقت عندي كغيره، فلا بدَّ أن يكون له باعث؛ إما موافقة شيخه أو عادته أو خوف اللوم له، ونحو ذلك، فلا بدَّ له من باعثٍ غير شرعيٍّ، وهذا ضلال، لعِلْمِنا أن الرسولَ وأصحابَه لم يكونوا يخصُّون ذلك بفضيِلة، فلا يجوز أن يكون لها فضلٌ؛ لأنه إن كان ولم يعلمه الرسول ولا أصحابه ولا التابعون، فكيف يعلمه هو؟! فظهر أنه لم يكن لها فضل، إذ يمتنع أن يعلم أمرًا [يُقرِّب] (١) إلى الله لم يعلمه الرسول، وإن عَلِموه امتنع مع توفُّر دواعيهم على النُّصح وتعليم الخلقِ أن لا يُعْلِموا أحدًا بهذا الفضل، ولا يُسارع إليه واحدٌ منهم. فإذا كان الفضلُ المدَّعَي مستلزمًا لعدم علم الرسول وخير القرون بدين الله، أو لكتمانهم ذلك، وكلُّ واحدٍ من اللازِمَيْن (٢) مُنْتفٍ شرعًا وعادةً، عُلِمَ انتفاءُ الملزومِ وهو الفضل المدَّعَي.

ثم ذلك مُسْتَلزم؛ إما لاعتقاد هو ضلال في الدين، أو عمل دين لغير الله سبحانه، والتديُّن بالاعتقادات الفاسدة، فهذه البدع مستلزمة


= في الأحكام ومسالك العلة (٢/ ١٠٧ - ١١٣).
(١) في الأصل: "تقريبًا" والمثبت من "الاقتضاء".
(٢) في "الأصل": "المتلازِمَين" والتصويب من "الاقتضاء".

<<  <   >  >>