للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا كان الشرك أعظم إثمًا من الزنا، وكان جهاد أهل الكتاب أفضل من غيرهم، وكان من قتله أهلُ الكتاب له أجر شهيدين.

الوجه الثالث: أن هذا الحديث وغيره قد دَلَّ (١) على أنه كان للناس أعياد يجتمعون فيها في الجاهلية، ومعلومٌ أنه بمبعث إمام المتقين مَحَا اللهُ ذلك عنه، فلم يبق شيء من ذلك، فلو لا نهيه ومنعه لما ترك الناسُ ذلك، مع قيامِ المقتضي لفعلها من جهة الطبيعة، فلولا المانع القوي (٢)، لما دَرَست تلك الأعياد.

الوجه الرابع: ما خرَّجاه في "الصحيحين" (٣) عن عائشة قالت: دخلَ عليَّ أبو بكرٍ وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغَنِّيان بما تقاولت به الأنصار يوم بغاث (٤). قالت: وليستا بمغنِّيتين. فقال: أَمزمور الشيطانِ في بيتِ رسول الله. -وذلك يوم عيد- فقال رسول الله: "يا أبا بَكْرٍ إنَّ لكلِّ قَوْمٍ عِيْدًا وهذا عِيْدُنا". وفي روايةٍ: "دَعْهُما يا أبا بكر".

فقوله: "إنَّ لكلِّ قوم عِيْدًا وهذا عِيْدُنا" يوجِب اختصاصَ كلِّ قومٍ بعيدهم، كقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: ١٤٨]؛ لأن اللام تورث الاختصاصَ فلا نشركهم في عيدهم، كما لا نشركهم في


(١) في "الأصل": "قدل" سقطت منه "الدال" سهوًا.
(٢) في "الأصل": "قوي" والمثبت من "الاقتضاء".
(٣) البخاري رقم (٩٥٢)، ومسلم رقم (٨٩٢).
(٤) كذا في "الأصل" بغين معجمة، وهو أحد الأقوال في ضبطه، والأشهر بالمهملة انظر "معجم البلدان": (١/ ٤٥١)، وهو موضع بنواحي المدينة كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية.

<<  <   >  >>