والتزام طريقتها ومنهجها، كما جاءت بالنكير والتحذير مِن اتباع سنن الذين كفروا، على اختلاف مِلَلِهم ونِحَلِهم وضلالاتهم، ثم قَطَعَ الطُّرُقَ الموصلةَ إلى اتباعهم بتوجيهات حاسمة وأوامر كثيرة، لتصفوَ للأمة شِرْعتُها ومنهاجُها في أمورها كافةً (العبادات والعادات والمعاملات).
ومع كل هذا التحذير والتشديد إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر: أن طوائف من هذه الأمة ستتَّبع سنن الذين كفروا، وستسعى في مشابهتهم بكل طريق، حتى في أقبح الأفعال ومُسْتنكَر العادات ورذائل الأمور، وذلك الاتباع بل التَّبَعِيَّة = دليلٌ على فشوِّ الضعف فيها، كما في "قاعدة التغالب" بين الأمم، فالضعيف يسعى في تقليد الأقوى ومحاكاته، ليس في أسباب قوَّته وتقدمه، بل في أردأ ما عنده من شهوات ونحوها؛ نتيجة لخَوَر الهِمَم وفساد العزائم، وقد عبَّر الشارعُ عن هذا الضعف بـ "الغثاء" في قوله: "ولكنكم غثاء كغثاء السيل"، وأصل مادة "الغثاء" تدلّ على فسادٍ في الشيء، فما فَسَد ويبس وذهبت خضرته وروحه من أوراق الشجر ونحوها خفَّ على السيل حمله وتجمعت القاذورات حوله؛ فكان غُثاءً.
وأسبابُ الضعف كثيرة، ليس هذا مكان بيانها وشرحها.
ومع كل ذلك -أيضًا- فقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- -وخبرُه الصِّدْق-: أنه لا تزال طائفة من أمَّته على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله.
فلا بُدَّ إذن من بيان الحقِّ وتوضيحه وتبليغه، وبيان خطر تخلِّي الأمة عن خصائصها وشِرْعتها، ووجوب مباينة الكافرين والنهي عن مشابهتهم، وقطع الوسائل الموصلة إلى ذلك، وفي هذا البيان