الوجه الخامس: أن أرض العرب ما زال فيها يهود ونصاري، حتى أجلاهم عمر، وكان اليهود بالمدينة كثيرًا في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك كان في اليمن يهود، ونصاري بنجران، والفُرْس بالبحرين وكان لهم أعياد، والمقتضي لما يُفْعَل في العيد من الأكل والشرب واللباس والزينة واللعب والراحة قائمٌ في نفوس الناس.
ثم من كان له خبرة بالسيرة يعلم أن المسلمين لم يكونوا يشاركونهم في شيء من أمرهم، ولا يُغَيِّرون لهم عادةً في أعياد الكفار، بل ذلك اليوم عند رسول الله وعند سائر المسلمين يوم لا يخصُّونه بشيءٍ أصلًا، إلا ما قد اخْتُلِف فيه من مخالفتهم فيه، كصومه.
فلولا أنه كان من دين المسلمين الذي تلقَّوه عن نبيِّهم مَنْعٌ من ذلك وكفُّ عنه؛ لوجب أن يوجد من بعضهم فِعْلُ بعضِ ذلك، فدلَّ على المنع منه.
ثم جرى الأمر على عهد الخلفاء الراشدين كما كان في عهده، حتى كان عمر ينهى عن الدخول عليهم يوم عيدهم، فكيف لو كان أحدٌ يفعل كفعلهم!؟ بل لما ظَهَر من بعض المسلمين اختصاص يوم عيدهم بصومٍ مخالفةً لهم، نهاه الفقهاء، أو (١) كثيرٌ منهم عن ذلك؛ لأجل ما فيه من تعظيم عيدهم، أفلا يُسْتَدل بهذا على أن المسلمين تَلَقَّوا عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- المنعَ من مشاركتهم في أعيادهم؟ وهذا -بعد التأمُّل- بَيِّنٌ جدًّا.