للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير قصدِ اتخاذِه مسجدًا، فاتخذه أحدٌ مسجدًا لا للحاجة إليه، بل لكونه صلى فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

أما الأمكنة التي قصدها رسول الله للدعاء عندها والصلاة؛ فقصْدُها، سنة، اقتداءً به -صلى الله عليه وسلم؛ كتحريه الصلاة عند الاصطوانة موضع المصحف (١).

وقد روى بعض الفقهاء (٢) أن أعرابيًّا أتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلا قولَه تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ... } الآية [النساء: ٦٤]، وأنشد:

يا خيرَ مَن دُفِنَتْ بالقاعِ أعْظُمُه ... وَطَابَ مِن طِيْبِهِنَّ القاعُ والأَكَمُ

وأنه استحبَّ طائفةٌ من متأخِّري الفقهاء من أصحاب أحمد والشافعي مثل ذلك.


(١) أخرجه البخاري رقم (٥٠٢)، ومسلم رقم (٥٠٩) من حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-.
(٢) لعله يقصد أبا محمد ابن قدامة المقدسي، فإنه ذكرها في "المغني": (٥/ ٤٦٥ - ٤٦٦)، وعنه ابن أبي عمر في "الشرح الكبير" وهذه القصة أخرجها ابن عساكر في "تاريخه" وابن الجوزي في "مثير العزم الساكن" بأسانيدهم، وذكرها ابن كثير في "تفسيره": (١/ ٥٣٢).
وقال الحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي": (ص/ ٢٥٣): "هذه الحكاية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العُتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي ... وقد ذكرها البيهقي في كتابه "شعب الإيمان" بإسنادٍ مظلم ... وقد وضع لها بعض الكذابين إسنادًا إلى علي بن أبي طالب.
وفي الجملة؛ ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلف ولفظها مختلف أيضًا ... ، ولا يصلُح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق" اهـ.

<<  <   >  >>