للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يقال: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك: "بدعة" مع حُسْنها، وهذه تسمية لغوية لا شرعية، وذلك أن البدعةَ في اللغةِ تعمُّ ما فُعِل ابتداءً من غير مثالٍ سابقٍ.

وأما البدعة الشرعية: كلُّ ما لم يدل عليه دليلٌ شرعي. فإذا كان نصُّ رسول الله قد دلَّ على استحبابِ فعل أو إيجابه بعد موته، أو دلَّ عليه مطلقًا ولم يُعْمَل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكرٍ، فإذا عمل ذلك العمل بعد موته صحَّ أن يُسَمَّى بدعة في اللغة؛ لأنه مُبْتدأ عملٍ، كما أن نفس الدين الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُسمَّى بدعة، ويُسمَّى مُحْدَثًا في اللغة، كما قالت رُسُل قريشٍ للنجاشيِّ عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين إلى الحبشة: إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم، ولم يدخلوا في دين المَلِك، وجاءوا بدينٍ محَدث لا يُعرف (١).

ثم ذلك العمل الذي دلَّ عليه الكتابُ والسنةُ ليس بدعة، وإن سُمِّي بدعة لغةً، فلفظ البدعة في اللغة أعمُّ من لفظها في الشريعة، وقد عُلِمَ أن قوله: "كل بدعة" لم يُرِد كل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كلّ دين جاءت به الرُّسُل فهو عملٌ مُبتدأ، وإنما أراد ما ابْتُدِئَ من الأعمال التي لم يشرعها هو -صلى الله عليه وسلم-.

وإذا كان كذلك؛ فقد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفُرَادى، وقال لهم: "لم يمنعني أَنْ أخرجَ إليكم إلا كَرَاهةَ أن تُفْرَضَ عليكم فصلُّوا في بُيُوتكم" (٢)، فعلم أن المقتضي للخروج قائم، وأنه


(١) انظر "السيرة النبوية": (١/ ٣٣٥) لابن هشام.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٢٠١٢ وغيره)، ومسلم رقم (٧٦١) من حديث عائشة -رضي الله عنها- بألفاظ متقاربة.

<<  <   >  >>