للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الوجوه وغيرها توجبُ القطعَ بأن هذا التأويل فاسِد لا يجوز حمل الحديث عليه، فإن على من تأوَّل شيئًا أن يبيِّن إرادة ذلك المعنى الذي حمل عليه الكلام، ثم بيان الدليل الصارف، فإذا مُنِعَ جوازُ إرادة ذلك، امتنعَ حملُ الحديث عليه. هذا مقامٌ.

وأما المقامُ الثاني فيقال: هب أن البدع تنقسم إلى حسنٍ وقبيح، فهذا القَدْر لا يمنع أن يكون هذا الحديث دالًّا على قُبح الجميع، لكن أكثر ما يُقال: إنه إذا ثبت أن هذا حَسَن يكون مستثنىً من العموم، وإلا فالأصل أن كلَّ بدعةٍ ضلالة. فقد تبيَّن أن الجواب عن كلِّ ما يُعَارض [به] من أنه حَسَن، وهو بدعة بإما: أنه ليس ببدعة، وإما: أنه مخصوص، وقد سَلِمت دلالةُ الحديث.

هذا إذا ثبتَ حُسْنُه، أما ما يُظَنُّ أنه حسنٌ وليس بحسنٍ، أو أمور يجوز أن تكون حسنةً وأن تكون قبيحة، فلا تصلح المعارضةُ بها، بل يُجَابُ عنها بالجوابِ المركَّب وهو: إن ثبتَ أن هذا حَسَن فلا يكون بدعة أو يكون مخصوصًا، وإن لم يثبت أنه حَسَنٌ فهو داخلٌ في العموم، فقد تبيَّن أنه لا يحلُّ لأحدٍ أن يُقابل هذه الكلمةَ الجامعةَ من رسول الله الكليةَ، وهي قوله: "كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ" بِسَلْبِ عمومِها، ويقال: ليست كلُّ بدعةٍ ضلالة، فإن هذا إلى مُشاقَّةِ الرسول أقرب منه إلى التأويل.

مع أن الجواب الأول أَجْوَد، فإنَّ قَصْد التعميم المحيط ظاهرٌ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمة الجامعة، فلا يُعْدَلُ عن مقصودِه -بأبي هو وأُمي -صلى الله عليه وسلم- وزاده شَرَفًا وكرَّم-.

وأما صلاةُ التراويح؛ فليست بدعة في الشريعة؛ بل سُنة بقول

<<  <   >  >>