للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصلٌ (١)

والمقصود أن الدعاء والعبادة عند القبور وغيرها من الأماكن تنقسم إلى نوعين:

أحدهما: أن يحصل الدعاء في البقعة بحكم الاتفاق، لا لقصد الدعاء فيها، كمن يدعو في طريقه، ويتفق أن يمر بالقبور، وكمن يزورها فيسلِّم ويسأل الله العافية له وللموتى، كما جاءت به السنة، فهذا ونحوه لا بأس به.

النوع الثاني: أن يتحرَّى الدعاء عندها، بحيث يستشعر أن الدعاء عندها أجوبُ من غيره، فهذا منهيٌّ عنه، إما نهي تحريم أو تنزيه، والتحريم أقرب، فإن الشخص لو دعا فاجتاز بصنمٍ من غير قصدٍ لم يكن به بأس، ولو تحرى الدعاء عند الصنم أو الصليب أو في الكنيسة يرجو الإجابة في تلك البقعة؛ لكان هذا من العظائم، فَقَصْد القبور للدعاء عندها من هذا الباب، بل قد يكون أشد؛ لنهي الرسول عن اتخاذها مساجد وعيدًا. فقَصْد القبور لم يفعله أحد من الصحابة والتابعين، بل أجْدَبُوا على عهد الصحابة، ودهمتهم نوائب، فهلَّا جاءوا فاستغاثوا عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! بل قد خرج عمرُ بالعباس يَسْتسقي به ولم يَرُح إلى القبر (٢).

وكذلك لما فُتِحت تُسْتَر وجدوا قبر دانيال، فقيل: إنه كان إذا أجدبت السماء برزوا بسريره، فيُمْطَرون، فأمر عمر أن يُعَمَّى قبره،


(١) "فصل" ليست في "الاقتضاء": (٢/ ١٩٥).
(٢) رواه البخاري رقم (١٠١٠) عن أنسٍ -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>