للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضَعُفَ عقلُه ودينُه، بحيث تختطفَ عقلَهِ، ويكفي العاقلَ أن يعلم أن ما سِوَى المشروع لا يُؤثِّر بحالٍ فلا منفعةَ فيه، أو أنه إذا أثَّر فضرره أكثر من نَفْعِه.

ثم قد يكون سببُ قضاءِ حاجة هولاء الداعينَ الدعاءَ المحرمَ؛ لشدَّة ضرورته، لو دعا اللهَ بها مشركٌ عند وثنٍ لاستُجِيْبَ له؛ لصدق توجُّهه إلى الله -تعالى-، ولو قد استُجِيبَ له على يد المتوسَّل به صاحبِ القبرِ أو غيرِه لاستغاثته، فإنه يُعاقب على ذلك، ويهوي به في النار إذا لم يعف اللهُ عنه، كما لو طلب ما يكون فتنة له، كما أن ثعلبة لما سأل (١) النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أن يدعوَ له بِكثَرة المال، ونهاه النبيُّ عن ذلك مرةً بعد مرة، فلم ينته حتى دعا له، وكان ذلك سبب شقائه في الدنيا والآخرة (٢) . وقد قال: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَسْألني المسأَلَةَ فأُعْطِيه إيَّاها، فيخرجُ بها يتأبَّطُها نارًا" (٣) .

فكم من عبدٍ دعا دعاءً غير مباح فَقُضِيَتْ حاجَتُه، وكان سببَ هلاکه في الدنيا والآخرة، تارةً بأن يسأل ما لا تصلح له مسألته، كما فعل


(١) غير محررة في "الأصل" وهي هكذا في أصله.
(٢) قصة حاطب بن ثعلبة هذه مما أورده أصحاب التفاسير عند قوله تعالي: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٧٥] وهي قصة باطلة لا تصح، وانظر في تفنيدها وبيان بطلانها کتاب "ثعلبة بن حاطب الصحابي المفترى عليه" لعداب الحمش.
(٣) أخرجه أحمد: (١٧/ ٤٠، ١٩٩ رقم ١١٠٠٤ و ١١١٢٣)، وابن حبان "الإحسان": (٨/ ٢٠١)، والحاكم: (١/ ٤٦) من حديث سعيد الخدري، وجعله ابن حبان من مسند عمر -رضي الله عنهما-.
والحديث صححه ابن حبان، والحاكم ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>