للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعله نبيٌّ، وهذا غَلَطٌ عظيم؛ لما ذكرناه، خصوصًا إذا كان العمل إنما كان أثره بصدقٍ قامَ في قلب فاعله حين الفعل، ثم يفعله الأتْباعُ صورةً [لا صدقًا] (١) ، فيُضرُّون به.

ومن هذا الباب: ما يُحْكَي عن آثارٍ وُجِدت في السَّماع المبتَدَع، فإن تلك الآثار قد تكون عن أحوالٍ قامت بقلوب أولئك الرجال، حركها محركٌ كانوا فيه مجتهدين، أو مقصِّرين تقصيرًا غمره حسناتُ قَصْدِهم، فيأخذ الأتْباعُ حضور صورة السماع. وليس حضورُ أولئك الرجال سنةً تُتَّبَع، ولا مع المتَّبعين من الصدق ما لأجله عُذِروا وغُفِر لهم؛ فيهلكون بذلك، كما حُكيَ عن بعض الأشياخ أنه رُئي بعد موته فقيل له: ما فعلَ الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال: يا شيخ السوء أنت الذي كنتَ تتمثَّل بي (٢) بِسُعْدَي ولُبْنَي؟ لولا أعلم من صدقك لعذبتك.

ولهذا كان الأئمة المقتَدَي بهم يقولون: "عِلْمنا هذا مُقَيَّدٌ بالكتاب والسنة" (٣) . وحُكِيَ لنا أن بعض المجاورين أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاشتهى عليه من الأطعمة، فجاء بعض الهاشميين إليه فقال: النبيُّ بعث لك هذا وقال لك: اخرج من عندنا. وآخرون قضِيت حوائجُهم ولم يُقل لهم ذلك، لاجتهادهم أو قصورهم في العلم، فإنه يُغْفَر للجاهل ما لا يُغْفَر للعالم.

ولا يقال: هولاء لما نقصت معرفتُهم سُوِّغ لهم ذلك، فإن الله لم


(١) زيادة من أصله.
(٢) كذا بالأصل، وليست في "الاقتضاء".
(٣) القائل هو: الجنيد بن محمد، انظر "الاستقامة": (٢/ ١٤١).

<<  <   >  >>