فوصَفَ اليهود أنهم كانوا يعرفون الحقَّ قبل ظهور الناطق به، فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة يَهْوَوْنها لم ينقادوا له، وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم.
وهذا يُبْتَلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معيَّنة في العلم أو الدين، من المتفقِّهة أو المتصوِّفة وغيرهم، أو إلى رئيس معظَّم في الدين غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يقبلون من الدين رأيًا وروايةً إلا ما جاءت به طائفتُهم، ثم إنهم لا يعملون بما تُوْجِبه طائفتهم، مع أن دين الإسلام يوجِبُ اتباعَ الحقِّ مطلقًا، من غير تعيين شخصٍ غير النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقال في صفة المغضوب عليهم:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}[النساء: ٤٦]، و {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ}[آل عمران: ٧٨] والتحريف قد فُسِّر بتحريف التنزيل، وتحريف التأويل.
فأما تحريف التأويل؛ فكثير جدًّا، وقد ابتُلِيت به طوائف من الأمة، وأما تحريف التنزيل؛ فقد وقع في كثير من الناس، يحرِّفون ألفاظَ