للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لنا أن المعنى المشتقَّ منه معنيً مناسب للحكمة؛ ولأن الأمر إذا تعلَّق باسم مفعولٍ مشتقٍّ من معنىً؛ كان المعنى علةً للحكم؛ كما في قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥]، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (١) [الحجرات: ١٠]. "عُودوا المريضَ، أَطْعِموا الجائعَ، فكُّوا العاني" (٢) .

وأيضًا: إذا أمر بفعلٍ كان نفس مصدره أمرًا مطلوبًا للآمر مقصودًا، كما قال تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ}، {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) } [البقرة: ١٩٥]، {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: ١٣٦]، {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١] {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا} (٣) [يونس: ٨٤].

فإن نفس التقوى والإحسان والإيمان والعبادة أُمور مطلوبة مقصودة؛ بل هي نفس المأمور به، فلما قال: "خالفوهم" كان الأمر بمخالفتهم داخِلًا في العموم، وإن كان السبب الذي قاله لأجلِه هو "الصَّبْغ"؛ لأن الفعل فيه عموم وإطلاق لفظي ومعنوي فيجب الوفاء به، وخروجه على سببٍ يوجب (٤) أن يكون داخِلًا فيه، ولا يمنع أن يكون غيره داخلًا فيه، وإن قيل: إن اللفظ العام يُقْصَر على سببه؛ لأن العموم هنا من جهة المعنى، فلا يقبل من التخصيص ما يقبله العموم اللفظي.

وأيضًا (٥) : عدول الأمر عن لفظ الفعل الخاصِّ إلى لفظٍ أعم منه، كعدوله عن لفظ "أَطْعِمْه" إلى لفظ "أَكْرِمْه"، وعن لفظ "فاصبغوا" إلى


(١) في الأصل في الآيتين بدون "الفاء".
(٢) أخرجه البخاري رقم (٣٠٤٦) من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-.
(٣) في الأصل: "عليه فتوكلوا"، سبق قلم.
(٤) في الأصل: "يجب".
(٥) "الاقتضاء": (١/ ١٩٥).

<<  <   >  >>