كان ارتد بعد إسلامه، ثم حسن إسلامه، وكانت أشجع وبنو أسد تتمة العشرة آلاف.
فقد قال بعضهم: كانت الأحزاب عشرة آلاف، وهم ثلاث عساكر، وملاك أمرها لأبي سفيان: أي المدبر لأمرها والقائم بشأنها.
ولما تهيأت قريش للخروج أتى ركب من خزاعة في أربعة ليال حتى أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أجمعوا عليه ندب الناس: أي دعاهم، وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم في أمرهم، أي قال لهم: هل نبرز من المدينة أن نكون فيها؟ فأشير عليه بالخندق، أي أشار عليه بذلك سلمان الفارسي رضي الله عنه. فقال: يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا، أي فإن ذلك كان من مكائد الفرس، وأول من فعله من ملوك الفرس ملك كان في زمن موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه، فأعجبهم ذلك، فضرب على المدينة الخندق.
أي وعند ذلك ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا له ومعه عدة من المهاجرين والأنصار، فارتاد موضعا ينزل له، وجعل سلعا خلف ظهره، وأمرهم بالجد ووعدهم بالنصر إن هم صبروا. فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين، أي وحمل التراب على ظهره الشريف، ودأب المسلمون يبادرون قدوم العدو. قال: واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرارين ومكاتل، وكان من جملة من يعمل في الخندق جعال أو جعيل بن سراقة؛ وكان رجلا دميما قبيح الوجه، صالحا من أصحاب الصفة. وهو الذي تمثل به الشيطان يوم أحد، وقال إن محمدا قد قتل كما تقدم، فغير صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عمرا، فجعل المسلمون يرتجزون ويقولون:
سماه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قالوا عمرا قال عمرا، وإذا قالوا ظهرا قال ظهرا انتهي، أي وسياق أسد الغابة يدل على أن هذا الذي غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عمرا غير جعيل المذكور، وحصل للصحابة رضي الله عنهم تعب وجوع لأنه كان في زمن عسرة وعام مجاعة.
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابه من النصب والجوع قال متمثلا بقول ابن رواحة رضي الله عنه:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره
قيل: وإنما قال ابن رواحة لا هم إن العيش من غير ألف ولام فقد غيره صلى الله عليه وسلم على ما هو عادته كما تقدم، وفي لفظ:
اللهم لا خير إلا خير الآخره ... فبارك في الأنصار والمهاجره