للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي وضربت له صلى الله عليه وسلم قبة من أدم.

قال: وكان صلى الله عليه وسلم يعقب فيها بين ثلاثة من نسائه عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش، فتكون عائشة عنده أياما. أي فإنه مكث في عمل الخندق بضع عشرة ليلة، وقيل أربعا وعشرين ليلة، أي وقيل عشرين ليلة، وقيل قريبا من شهر، وقيل شهرا.

قال بعضهم: وكونه قريبا من شهر هو أثبت الأقاويل. وقيل أثبت الأقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما، وبه جزم النووي رحمه الله في الروضة، وسائر نسائه صلى الله عليه وسلم في بني حارثة، وجعل النساء والذراري في الآطام، وعرض الغلمان وهو يحفر الخندق وكانوا بأجمعهم من بلغ ومن لم يبلغ يعملون فيه، فلما التحم الأمر أمر من لم يبلغ خمس عشرة سنة أن يرجع إلى أهله، وأجاز من بلغ خمس عشرة سنة.

فمن أجازه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب رضي الله تعالى عنهم اهـ وشبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية، فصارت كالحصن.

وفي كلام بعضهم: كان أحد جوانب المدينة عورة، وسائر جوانبها مشتبكة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدوّ منه، فاختار ذلك الجانب للخندق.

واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه. وأرسل سليطا وسفيان بن عوف طليعة للأحزاب فقتلوهما، فأتي بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفنهما في قبر واحد، فهما الشهيدان القرينان. وأعطى لواء المهاجرين لزيد بن حارثة ولواء الأنصار لسعد بن عبادة، وبعث مسلمة بن أسلم في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة، ويظهرون التكبير تخوفا على الذراري من بني قريظة، أي لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنهم نقضوا ما بينه وبينهم من العهد كما سيأتي، أي وأنهم يريدون الإغارة على المدينة، فإن حيي بن أخطب أرسل إلى قريش أن يأتيه منهم ألف رجل، وإلى غطفان أن يأتيه منهم ألف رجل أخرى ليغيروا على المدينة، وجاء الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم البلاء، وصار الخوف على الذراري أشدّ من الخوف على أهل الخندق.

ولما نظر المشركون إلى الخندق قالوا: والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، وصار المشركون يتناوبون، فيغدو أبو سفيان في أصحابه يوما، ويغدو خالد ابن الوليد يوما، ويغدو عمرو بن العاص يوما، ويغدو جبيرة بن وهب يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب يوما، فلا يزالون يجيلون خيلهم ويفترقون مرة، ويجتمعون أخرى، ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي يقربون منهم، ويقدمون رجالهم فيرمون، ومكثوا على ذلك المدة المتقدمة، ولم يكن بينهم

<<  <  ج: ص:  >  >>