عشرة رجال في الخندق، أي فكان يحفر في كل يوم خمسة أذرع في عمق خمسة أذرع حتى أصيب بالعين، أصابه بالعين قيس بن صعصعة فلبط به: أي بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة: صرع فجأة، وتعطل عن العمل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم «مروه فليتوضأ وليغتسل، ويكفىء الإناء خلفه ففعل، فكأنما نشط» أي حل «من عقال» وفي لفظ «فأمر أن يتوضأ قيس لسلمان ويجمع وضوءه في ظرف ويغتسل سلمان بتلك الغسالة، ويكفىء الإناء خلف ظهره» .
وذكر «أنه لما اشتدت تلك الكدية على سلمان أخذ صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان، وقال: بسم الله، وضرب ضربة فكسر ثلثها، وبرقت برقة، فخرج نور من قبل اليمن كالمصباح في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أعطيت مفاتيح اليمن، إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة كأنها أنياب الكلاب. ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، فخرج نور من قبل الروم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها» أي زاد في رواية «الحمر. ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر، وبرق برقة فكبر، وقال: أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب في مكاني هذا» أي وفي رواية «إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، وجعل صلى الله عليه وسلم يصف لسلمان أماكن فارس، ويقول سلمان: صدقت يا رسول الله، هذه صفتها، أشهد أنك رسول الله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان» اهـ.
أي وعند ذلك قال جمع من المنافقين. منهم معتب بن قشير: ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق: أي الخوف، لا تستطيعون أن تبرزوا فأنزل الله تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [آل عمران: الآية ٢٦] الآية.
وقيل في سبب نزولها أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ وهم أعزّ وأمنع من ذلك.
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفر الخندق أقبلت قريش ومن معها، وكانوا عشرة آلاف كما تقدم، فنزلت قريش بمجمع الأسيال وغطفان ومن معهم إلى جانب أحد، وكان المسلمون ثلاثة آلاف.
أي وقد قال ابن إسحاق: سبعمائة، ووهم في ذلك. وقال ابن حزم: إنه الصحيح الذي لا شك فيه ولا وهم، وعسكر بهم صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع: وهو جبل فوق المدينة، أي فجعل ظهر عسكره إلى سلع كما تقدم، والخندق بينه وبين القوم،