عليه من عمله رغبة في الخير، وتباطأ رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعف، وصار الواحد منهم يتسلل إلى أهله من غير استئذان له صلى الله عليه وسلم، أي وكان زيد بن ثابت ممن ينقل التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه «أما إنه نعم الغلام» وغلبته عينه فنام في الخندق، فأخذ عمارة بن حزم سلاحه وهو نائم. فلما قام فزع على سلاحه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بار قد نمت حتى ذهب سلاحك. ثم قال: من له علم بسلاح هذا الغلام؟ فقال عمارة: أنا يا رسول الله وهو عندي. فقال: ردّه عليه، ونهى أن يروع المسلم ويؤخذ متاعه لاعبا» وإليه استند أئمتنا في تحريم أخذ متاع الغير مع عدم علمه بذلك.
واشتد على الصحابة رضي الله عنهم في حفر الخندق كدية، أي محل صلب، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول وضرب فصارت كثيبا أهيل أو أهيم: أي رملا سائلا. وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم دعا بماء ثم تفل عليه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح ذلك الماء أي رشه على تلك الكدية» قال بعض الحاضرين: فو الذي بعثه بالحق لا نهالت حتى عادت كالكثيب: أي الرمل، ما ترد فأسا ولا مسحاة، وهي المجرفة من الحديد.
أي وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التراب في ثيابهما إذا لم يجدا مكاتل من العجلة.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني. فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان عليّ نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى، ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: أو قد رأيت ذلك يا سلمان؟ قال: قلت نعم. قال أما الأولى، فإن الله تعالى فتح عليّ بها اليمن وأما الثانية، فإن الله فتح عليّ بها الشام والمغرب. وأما الثالثة، فإن الله فتح عليّ بها المشرق.
قال: وقد ذكر أن سلمان الفارسي رضي الله عنه تنافس فيه المهاجرون والأنصار. فقال المهاجرون: سلمان منا. وقالت الأنصار: سلمان منا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سلمان منا أهل البيت» ولذلك يشير بعضهم بقوله:
لقد رقي سلمان بعد رقه ... منزلة شامخة البنيان
وكيف لا والمصطفى قد عده ... من أهل بيته العظيم الشان
وإنما وقع التنافس في سلمان رضي الله عنه، لأنه كان رجلا قويا يعمل عمل