للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلما أيست منه أخذت عمودا ونزلت ففتحت باب الحصن وأتيته من خلفه فضربته بالعمود حتى قتلته، وصعدت الحصن فقلت: يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. فقال: يا بنة عبد المطلب ما لي بسلبه حاجة. أي وهذا يدل على ما قيل إن حسان بن ثابت كان من أجبن الناس كما تقدم. قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: فنظرت فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا. فلما رجعت، قلت يا أبت رأيتك تختلف إلى بني قريظة. قال: رأيتني يا بني؟ قلت نعم. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه. فقال: فداك أبي وأمي أخرجه الشيخان.

أي وفي كلام ابن عبد البر رحمه الله ثبت عن الزبير رضي الله عنه أنه قال:

جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه مرتين: يوم أحد، ويوم بني قريظة، فقال: ارم فداك أبي وأمي. وقال ولعل ذلك كان في أحد «إن لكل نبي حواريا، وإن حواريّ الزبير» وقال «الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي» ويذكر أن الزبير رضي الله عنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج. وكان يتصدق بذلك كله ولا يدخل بيته من ذلك درهما واحدا وذلك من أعلام نبوّته صلى الله عليه وسلم. فقد جاء أنه لما نزل قوله تعالى ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨) [التكاثر: الآية ٨] قال له الزبير: يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان التمر والماء؟ قال: أما إنه سيكون، وقد جعله سبعة من الصحابة وصيا على أولادهم، فكان يحفظ على أولادهم ما لهم وينفق عليهم من ماله، وهؤلاء السبعة: منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، والمقداد، وابن مسعود.

وعظم عند ذلك البلاء على المسلمين لما وصل إليهم الخبر: أي خبر نقض بني قريظة العهد. ولا منافاة بين بلوغهم الخبر وما تقدم من عدم الإفصاح به، لأنهم جاءهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظن المسلمون كل الظن، وأنزل الله تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الأحزاب: ١٠] وظهر النفاق من المنافقين حتى قال بعضهم: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، فأنزل الله تعالى وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (١٢) [الأحزاب: الآية ١٢] .

ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الأمر بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري في أن يقطعهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه. فجاآ مستخفيين من أبي سفيان فوافقاه على ذلك، أي بعد أن طلبا النصف فأبى عليهما إلا الثلث، فرضيا وكتبا بذلك صحيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>