للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم استمرت المقاتلة، قيل من سائر جوانب الخندق إلى الليل ولم يصلّ صلى الله عليه وسلم ولا أحد من المسلمين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء. أي وصار المسلمون يقولون: ما صلينا، فيقول صلى الله عليه وسلم: ولا أنا، فلما انكشف القتال جاء صلى الله عليه وسلم إلى قبته وأمر بلالا فأذن وأقام الظهر فصلى ثم أقام بعد كل صلاة إقامة وصلى هو وأصحابه ما فاتهم من الصلوات.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما «فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء» .

أقول: في الرواية الأولى ما يشهد لقول إمامنا الشافعي: يندب أن يؤذن للأولى من الفوائت ويقيم لما عداها إذا قضاها متوالية، وكونه يؤذن للأولى من الفوائت هو ما ذهب إليه في القديم وهو المفتي به.

وفي الرواية الثانية دليل على أنه يؤذن لكل من الفوائت إذا قضاها متوالية، ولم يقل به إمامنا، فإنه جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه مرسلا لأنه رواه عنه ابنه أبو عبيدة ولم يسمع منه لصغر سنه.

وروى إمامنا الشافعي رضي الله عنه بإسناد صحيح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال «حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هويّ» أي طائفة «من الليل حتى كفينا القتال، وذلك قوله تعالى وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [الأحزاب: الآية ٢٥] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلي، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك» أي وفي لفظ «فصلى كل صلاة كأحسن ما كان يصليها في وقتها، وهو دليل لعدم ندب الأذان للفائتة، وهو ما ذهب إليه إمامنا الشافعي رضي الله عنه في الجديد وهو مرجوح.

وجمع الإمام النووي في شرح المهذب بين رواية إلى الليل ورواية حتى ذهب هويّ من الليل بأنهما قضيتان جرتا في أيام الخندق، قال: فإنها كانت خمسة عشر يوما، أي على ما تقدّم.

وفيه أن كونهما قضيتين أمر واضح لاخفاء فيه، لأن في الأولى وفي يوم استمرت المقاتلة إلى الليل، وفي الثانية حتى كفينا القتال، فمع ذلك كيف يظن أنهما قضية واحدة حتى يحتاج إلى الجمع، وظاهر سياق هذه الروايات أنه صلى الأربع صلوات بوضوء واحد وبه صرّح البغوي في تفسير سورة المائدة، وحينئذ يحتاج للجمع بينه وبين ما يأتي في فتح مكة.

وروى الطحاوي، واستدل به مكحول والأوزاعي على جواز تأخير الصلاة لعذر

<<  <  ج: ص:  >  >>