للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القتال أن الشمس ردت له صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت حين شغل عن صلاة العصر حتى صلى العصر، وذكر الإمام النووي في شرح مسلم أن رواته ثقات.

وفي البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أنه جاء يوم الخندق بعد ما كادت الشمس تغرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها- يعني العصر- فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب» وهذه الرواية تقتضي أنه لم يفته إلا العصر وأنه صلاها بعد الغروب.

قال الإمام النووي رحمه الله: وطريق الجمع أن هذا كان في بعض أيام الخندق، وكون صلاة العصر هي الوسطى قد جاء في بعض الروايات «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس، ملأ الله أجوافهم» وفي لفظ «بطونهم وقبورهم نارا» والذي في البخاري ومسلم وأي داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح «ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس» وكون الوسطى هي صلاة العصر هو قول من تسعة عشر قولا ذكرها الحافظ الدمياطي في مؤلف له سماه [كشف الغطا عن الصلاة الوسطى] وفي الينبوع أن كون الصلاة الوسطى هي العصر هو الذي أعتقده والله أعلم.

قال وجاء «أنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب، فلما فرغ قال: أحد منكم علم أني صليت العصر؟ قالوا: يا رسول الله ما صلينا» أي لا نحن ولا أنت «فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب» قيل وكان ذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [البقرة: الآية ٢٣٩] اهـ.

أقول: يحتاج إلى الجواب عن إعادة المغرب. وقد يقال: أعادها مع الجماعة، وأن قوله فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [البقرة: الآية ٢٣٩] يرشد إلى أن المراد بصلاة الخوف صلاة شدته لا صلاة ذات الرقاع التي نزل فيها قوله تعالى وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ [النساء: الآية ١٠٢] الآية كما تقدم، فلا ينافي ما تقدم من صلاته في الرقاع بناء على تقدمها على هذه الغزوة التي هي غزوة الخندق.

وحينئذ يندفع الاستدلال على أن ذات الرقاع متأخرة عن الخندق بقولهم ولم تكن شرعت صلاة الخوف: أي صلاة ذات الرقاع، وإلا لصلاها في الخندق، ولم يخرج الصلاة عن وقتها لما علمت أن المراد بصلاة الخوف التي لم تشرع زمن الخندق صلاة شدته لا صلاة ذات الرقاع. وسقط القول بأن الآية التي نزلت في صلاة ذات الرقاع منسوخة، فتركه صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في الخندق، لأن الخندق وإن لم يلتحم فيه القتال إلا أنهم لا يأمنون هجوم العدوّ عليهم، فلو صلوها لكانت تلك الصلاة صلاة شدة الخوف لا صلاة ذات الرقاع، لأن شرطها أمن هجوم العدو،

<<  <  ج: ص:  >  >>