للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخرجون حتى ترسلوا إليهم رهنا سبعين رجلا من أشرافكم، فإنهم يخافون إن أصابكم ما تكرهون رجعتم وتركتموهم، فلم ترد لهم قريش جوابا. وجاءهم نعيم وقال لهم: كنت عند أبي سفيان، وقد جاءه رسولكم. فقال لو طلبوا مني عناقا ما دفعتها لهم، فاختلفت كلمتهم، أي وجاء حيي بن أخطب لبني قريظة فلم يجد منهم موافقة له وقالوا: لا نقاتل معهم حتى يدفعوا إلينا سبعين رجلا من قريش وغطفان رهنا عندنا، وبعث الله تعالى ريحا عاصفا، أي وهي ريح الصبا في ليال شديدة البرد، فنقلت بيوتهم، وقطعت أطنابها، وكفأت قدورهم على أفواهها، وصارت الريح تلقي الرجال على أمتعتهم.

وفي رواية: دفنت الرجال وأطفأت نيرانهم. أي وأرسل الله إليهم الملائكة زلزلتهم. قال تعالى فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب: الآية ٩] ولم تقاتل الملائكة بل نفثت في روعهم الرعب. وقال صلى الله عليه وسلم «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» وفي لفظ «نصر الله المسلمين بالريح، وكانت ريحا صفراء ملأت عيونهم ودامت عليهم» .

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه اختلاف كلمتهم، وكانت تلك الليلة شديدة البرد والريح في أصوات ريحها أمثال الصواعق، وسيأتي أنها لم تجاوز عسكر المشركين، وشديدة الظلمة بحيث لا يرى الشخص أصبعه إذا مدها.

فجعل المنافقون يستأذنون ويقولون إن بيوتنا عورة: أي من العدو، لأنها خارج المدينة، وحيطانها قصيرة يخشى عليها السرقة، فائذن لنا أن نرجع إلى نسائنا وأبنائنا وذرارينا فيأذن صلى الله عليه وسلم لهم.

قيل ولم يبق معه صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا ثلاثمائة، وقال: من يأتينا بخبر القوم:

فقال الزبير رضي الله عنه: أنا. قال صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاثا والزبير يجيبه بما ذكر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لكل نبي حواري» أي ناصر «وإن حواري الزبير» أي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم له أيضا عند إرساله لكشف خبر بني قريظة، هل نقضوا العهد أولا؟ كما تقدم. وسيأتي قول ذلك له أيضا في خيبر. وفي الحديث «حواري الزبير من الرجال وحواري من النساء عائشة» وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم قال إلا رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟ أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة» وفي لفظ «يكون معي يوم القيامة» وفي لفظ «يكون رفيق إبراهيم يوم القيامة» قال ذلك ثلاثا فما قام أحد من شدة الخوف والجوع والبرد، فدعا صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان. قال: فلم أجد بدّا من القيام حيث فوّه باسمي، فجئته صلى الله عليه وسلم فقال: تسمع كلامي منذ الليلة ولا تقوم؟ فقلت: لا، والذي بعثك بالحق إن قدرت. أي ما قدرت على ما بي من الجوع والبرد والخوف، فقال: اذهب حفظك الله من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع إلينا. قال حذيفة: فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني. وقال: يا حذيفة اذهب فادخل في

<<  <  ج: ص:  >  >>