فأمر بإحضار قضيب فأخذه الملك وأمرّ به على صدري فكأني لم آكل شيئا قط، ثم أكلت أكلا كثيرا حتى انتهيت، فقال لي كل، فقلت لا والله لا أقدر أيها الملك، فأمرّ بالقضيب على صدري فكأني لم آكل شيئا قط، فأكلت حتى انتهيت، فقال لي كل، فقلت والله ما أقدر على ذلك، فأراد أن يمر بالقضيب على صدري، فقلت أيها الملك إن الذي دخل يحتاج إلى أن يخرج، فقال: صدقت، وأمسك عني، فسألته عن القضيب، فقال: تحفة من تحف الملوك.
ومما يحفظ عن يحيى بن خالد هذا زيادة على ما تقدم عنه: إذا أحببت إنسانا من غير سبب فارج خيره، وإذا أبغضت إنسانا من غير سبب فتوق شره.
ومما يحفظ عنه أيضا وقد قال له ولده وأظنه الفضل، وقد كان معه مقيدا في حبس الرشيد بعد قتله لولده جعفر وصلبه ونهبه أموال البرامكة ومن يلوذ بهم: يا أبت بعد العز ونفوذ الكلمة صرنا إلى هذه الحالة، فقال: يا ولدي دعوة مظلوم سرت ليلا غفلنا عنها وما غفل الله عنها: أي فقد قال أبو الدرداء: إياكم ودمعة اليتيم ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام.
أي ولأن الله تعالى يقول:«أنا أظلم الظالمين إن غفلت عن ظلم الظالم» وقد قال صلى الله عليه وسلم: «اتق دعوة المظلوم فإنما يسأل الله حقه، وإن الله تعالى لن يمنع ذا حق حقه» وجاء «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب» وجاء «اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» والمراد بالغمام: الغمام الأبيض الذي فوق السماء السابعة، المعنيّ بقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [الفرقان: الآية ٢٥] أي لا تقوى على حمله إذا سقط.
ونصر دعوة المظلوم: استجابتها ولو بعد زمن طويل، فهو سبحانه وتعالى وإن أمهل الظالم لا يهمله، وجاء «اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة» أي تصعد إلى السماء السابعة فما فوقها وجاء «اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا فإنه ليس دونها حجاب» .
وقد قال القائل:
تنام عيناك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم
ومما قيل في يحيى بن خالد هذا من المدح البليغ:
سألت الندى هل أنت حر فقال لا ... ولكنني عبد ليحيى بن خالد
فقلت شراء؟ قال لا بل وراثة ... توارثني من والد بعد والد
ومما يحفظ عن والده خالد: التهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمولود. ومما يحفظ عن جعفر ولد يحيى قوله: شر المال ما لزمك الإثم في كسبه، وحرمت الأجر في