أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، أي فإن كنانة حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم فتح حصن النطاة وتيقن ظهوره عليهم دفنه في خربة.
أي وفيه أن هذا لا يناسب ما سبق من أن حييا كان يطيف بتلك الخربة، إلا أن يقال جاز أن يكون دفنه في تلك الخربة في محل آخر غير الذي دفنه فيه حيي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة: أرأيت إن وجدته عندك أقتلك؟ قال نعم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله ما بقي فأبى أن يؤديه، فأمر به الزبير رضي الله تعالى عنه فقال: عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير رضي الله تعالى عنه يقدح بزند، أي بالزناد الذي يستخرج به النار على صدره حتى أشرف على نفسه.
وأخذ منه جواز العقوبة لمن يتهم ليقر بالحق، فهو من السياسة الشرعية، ثم دفعه صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه فضرب عنقه بأخيه محمود. أي ولا مانع أن يكون السؤال وتعذيب الزبير وقع لسعية وكنانة أيضا.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم: أي التي غنمت قبل الصلح فجمعت، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا منها صفية رضي الله تعالى عنها بنت حيي بن أخطب، من سبط هارون بن عمران أخي موسى عليهما الصلاة والسلام، فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، وجعلها عند أم سليم التي هي أم أنس خادمه صلى الله عليه وسلم حتى اهتدت وأسلمت، ثم أعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها صداقها: أي أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا في المآل: أي لم يجعل لها شيئا غير العتق.
وقد سئل أنس رضي الله تعالى عنه صفية، فقيل له: يا أبا حمزة ما أصدقها؟
قال: نفسها، أعتقها وتزوجها، وهذا يردّ ما استدلّ به بعض فقهائنا: على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز نكاح الأمة الكتابية، وجواز وطئها بملك اليمين من أنه صلى الله عليه وسلم كان يطأ صفية قبل إسلامها بملك اليمين.
ويرد أيضا على من استدل من فقهائنا على استحباب الوليمة للسرية، بأنه صلى الله عليه وسلم أو لم على صفية كما علمت أنها زوجة لا سرية.
أي لكن ذكر بعض فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم لما أو لم على صفية رضي الله تعالى عنها، قالوا: إن لم يحجبها فهي أم ولد، وإن حجبها فهي امرأته، وذلك دليل على استحباب الوليمة للسرية، إذ لو اختصت بالزوجة لم يترددوا في كونها زوجة أو سرية، وذلك بعد أن خيرها صلى الله عليه وسلم بين أن يعتقها فترجع إلى من بقي من أهلها، أو تسلم فيتخذها لنفسه، فقالت: أختار الله ورسوله.