للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرض الحبشة ومعه الأشعريون، أبو موسى الأشعري وأخواه أبو رهم وأبو بردة رضي الله عنهم، وكان أبو موسى أصغرهم وأقواهم وكان قوم جعفر بالحبشة، أي لأنهم هاجروا إلى الحبشة من اليمن كما تقدم، وقبل قدومهم إليه صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم «يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا» فقدم الأشعريون، وذكر أنهم عند مجيئهم صاروا يقولون:

غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه

وفي كلام بعضهم ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم قال في حقهم «أتاكم أهل اليمن، هم أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية» .

ولما أقبل عليه صلى الله عليه وسلم جعفر رضي الله عنه قام صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وقبله بين عينيه وفي رواية «قبل جبهته» .

أي وعن ابن عباس رضي الله عنهما «لما قدم جعفر رضي الله عنه من أرض الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بين عينيه» وجعل ذلك أصلا لاستحباب المعانقة.

وقال بعضهم: إنها مكروهة، وحديث جعفر يحتمل أن يكون قبل النهي عنها، فإنه نهى عن المعاكمة وهي المعانقة، وحمل ذلك بعضهم على ما إذا كانت المعانقة من غير حائل.

أقول: لم يجب بذلك سيدنا مالك رضي الله عنه، فإنه لما قدم عليه سفيان بن عيينة رضي الله عنه صافحه مالك وقال له: لولا أنها بدعة لعانقتك، فقال له سفيان:

قد عانق من هو خير منك ومني النبي صلى الله عليه وسلم، قال مالك: تعني جعفر بن أبي طالب؟

قال نعم، قال: ذلك حبيب خاص ليس بعامّ، أي فذلك من خصوصياته، فقال له سفيان: ما عم جعفرا يعمنا، وما يخصه يخصنا، أي فالأصل عدم الخصوصية، ثم قال له سفيان: أتأذن لي أن أحدثك بحديثك. قال نعم، فقال: حدثني فلان عن فلان عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر الحديث المتقدم عنه، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم التزم زيد بن حارثة رضي الله عنه حين قدم عليه من مكة.

وأما المصافحة، فقد جاء «أن أهل اليمن لما قدموا المدينة صافحوا الناس بالسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل اليمن قد سنوا لكم المصافحة» وقال «من تمام محبتكم المصافحة» وقال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية لما قدم عليه «وإلى عدي بن حاتم» .

قال السهيلي: وليس هذا معارضا لحديث «من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» لأن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين وإلى من يغضب أن لا يقام له، وكان صلى الله عليه وسلم يقوم لفاطمة رضي الله عنها وكانت تقوم له صلى الله عليه وسلم هذا كلامه، والله أعلم.

ولما رآه صلى الله عليه وسلم جعفر حجل: أي مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن أهل الحبشة يفعلون ذلك للتعظيم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له «أشبهت خلقي

<<  <  ج: ص:  >  >>