للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لقص الشارب وتقليم الأظفار أن لا يدع ذلك أربعين يوما» أي وكان صلى الله عليه وسلم يقص أظفاره كل خمسة عشر يوما كما تقدم.

وقد أستفيد من هذا كما قال بعضهم فائدة نفيسة وهي ذكر التوقيت للتنوّر وقص الأظفار. قال بعضهم: وفيه نظر، فإن بدنه صلى الله عليه وسلم كان في غاية الاعتدال فلا يقاس به صلى الله عليه وسلم غيره في ذلك، نظير ما قالوه فيما صح «أنه صلى الله عليه وسلم كان يوضئه المدّ، ويغسله الصاع» إن ذلك خاص ببدن من يكون بدنه كبدنه عليه الصلاة والسلام نعومة واعتدالا، وإلا زيد ونقص المتفاوت فكذلك هنا، ومن ثم قال الأئمة رحمهم الله في نحو حلق العانة ونتف الإبط والقلم للظفر وقص الشارب: إن ذلك لا يتقيد بمدة، بل يختلف باختلاف الأبدان والمحالّ، فيعتبر وقت الحاجة إلى إزالة ذلك.

وبهذا يردّ على من قال يكره التنور في أقل من شهر، وقدم عليه صلى الله عليه وسلم بخيبر الأشعريون، أي ومنهم أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، والدوسيون ومنهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، فسأل صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا.

قال: وعن موسى بن عقبة رحمه الله أن أحد الأشعريين ومن ذكر معهم: أي وهم الدوسيون من هذين الحصنين اللذين فتحا صالحا، وتكون مشاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم، وإنما هي المشورة العامة: أي المأمور بها في قوله تعالى وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: الآية ١٥٩] انتهى.

أقول: وهذا صريح في أن ذلك كان فيئا له صلى الله عليه وسلم، فهما وما فيهما مما أفاء الله عليه صلى الله عليه وسلم، لأن الفيء ما جلوا عنه من غير قتال؛ أي من غير مصافة للقتال.

والحاصل أن أرض خيبر ونخلها غنيمة، لأنه صلى الله عليه وسلم غلب على النخل والأرض، وألجأهم إلى الحصون، وفتح جميع الحصون عنوة إلا الوطيح، والسلالم فإنهما فتحا صالحا على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم، بشرط أن لا يكتموه شيئا من أموالهم، وأن من كتم شيئا انقض ذلك الصلح له بالنسبة لدمه وذراريه.

وهذان الحصنان هما المرادان بالكثيبة في قول بعضهم: كان صلى الله عليه وسلم يطعم من الكثيبة أهله لما علمت أنهما من حصونها، وأنهما وما فيهما مما أفاء الله عليه.

وكونه صلى الله عليه وسلم كان يطعم أهله مما فيهما واضح. وأما إذا كان المراد يطعم من الأرض والنخيل المتعلقين بالحصنين فقد يتوقف فيه، لما تقدم أن أرض خيبر ونخلها غنيمة وذلك شامل للأرض والنخيل المتعلقين بالحصنين فليتأمل والله أعلم.

وفي لفظ: وقدم عليه صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من

<<  <  ج: ص:  >  >>