طالب ومن معه من المسلمين فحضروا وخطب النجاشي رضي الله عنه، فقال «الحمد لله الملك القدوس» أي في لفظ بدل ذلك «المؤمن المهيمن، العزيز الجبار. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أما بعد- فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبنا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقها أربعمائة دينار، أي وفي لفظ أربعمائة مثقال ذهب ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم» ، أي ودفع النجاشي الدنانير لخالد بن سعيد، فقبضها منه، وقيل إنه أنقدها لها النجاشي على يد جاريته التي بشرتها، فلما جاءتها بتلك الدنانير أعطتها خمسين دينارا.
وقد يقال: يجوز أن يكون النجاشي استردها من خالد ثم دفعها لتلك الجارية، أو أمر خالد بن سعيد بدفعها للجارية لتدفعها لأم حبيبة فلا مخالفة، وهذا السياق يدل على أن النجاشي كان هو الوكيل عنه صلى الله عليه وسلم. وفي كلام بعض فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية في نكاح أم حبيبة.
وقد يقال: معنى توكيل عمرو إرساله بالوكالة للنجاشي، أي ثم لما أرادوا أن يقوموا بعد العقد قال لهم النجاشي: اجلسوا، فإن من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج؛ فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا، قالت أم حبيبة رضي الله عنها: فلما كان من الغد جاءتني جارية النجاشي فردت عليّ جميع ما أعطيتها وقالت: إن الملك عزم عليّ أن لا أرزأك شيئا، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر، فجاءت بورس وعنبر وزباد كثير، وقالت:
حاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه، وكانت كلما دخلت عليّ تقول لا تنسي حاجتي إليك، ثم أرسل النجاشي أم حبيبة مع شرحبيل ابن حسنة، أي قالت أم حبيبة: ولما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت معي جارية النجاشي وأقرأته منها السلام، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: وعليها السلام ورحمة الله وبركاته.
وجاء «أنه لما رجعت إليه صلى الله عليه وسلم مهاجرة الحبشة قال: ألا تخبروني بأعجب شيء رأيتم بأرض الحبشة؟ فقال فتية منهم: يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم وعلى رأسها قلة فيها ماء، فمرت بصبي فدفعها فوقعت على ركبتيها فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت: أي قامت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا