ويبعد أن تكون أراضي خيبر كلها كانت بين النخل بحيث يغسر سقيها بدون النخل، وحينئذ يكون الواقع في خيبر إنما هي المخابرة، وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل، وهي باطلة عندنا، بل قيل عند المذاهب الأربعة ولو تبعا للمساقاة، والله أعلم.
ثم إن الصديق رضي الله تعالى عنه أقرهم بعده صلى الله عليه وسلم، ثم أقرهم عمر رضي الله تعالى عنه إلى أن خرج ولده عبد الله رضي الله تعالى عنهما في خلافة أبيه إلى خيبر، فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، فقام عمر رضي الله تعالى عنه خطيبا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل أهل خيبر على أموالهم: أي أرضهم ونخلهم، وقال لهم نقركم على ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ما له هناك فعدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدوّ غيرهم. وقد رأيت إجلاءهم أي ووافقه الصحابة على ذلك، فإن عمر رضي الله تعالى عنه قام خطيبا في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن يهود فعلوا بعبد الله بن عمر ما فعلوا، وفعلوا بمطهر بن رافع ما فعلوا مع عدوانهم على عبد الله بن سهيل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أشك أنهم أصحابه، وأنا أريد أن أجلوا يهود، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقركم ما أقركم الله، وقد أذن الله في إجلائهم، فقام طلحة بن عبيد الله، فقال:
قد والله أحسنت يا أمير المؤمنين ووفقت، فهم أهل سوء، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: من معك على مثل رأيك؟ قال المهاجرون جميعا والأنصار، فسرّ بذلك عمر رضي الله تعالى عنه.
وقوله وفعلوا بمطهر ما فعلوا، أي لأن مطهر بن رافع قدم خيبر بأعلاج من الشام عشرة عبيد له ليعملوا له بأرضه، فأقام بخيبر ثلاثة أيام، فقال لهم رجل من يهود: أنتم نصارى ونحن يهود، وهذا سيدكم من قوم عرب قهرونا بالسيف، وأنتم عشرة رجال وهو رجل واحد يسوقكم إلى الجهد والبؤس وتكونون في رق شديد، فإذا خرجتم من قريتنا فاقتلوه، فقالوا له: ليس معنا سلاح، فدست اليهود لهم سكينتين أو ثلاثة، فلما خرجوا من خيبر أقبلوا على مطهر بسكاكينهم، فخرج مطهر يعدو إلى سيفه، وكان في قرابه على راحلته، فأدركوه قبل الوصول إليه وبعجوا بطنه، ثم انصرفوا سراعا حتى دخلوا خيبر على يهود فآووهم وزودوهم إلى الشام، وجاء عمر رضي الله تعالى عنه الخبر بقتل مطهر وما صنعت به يهود.
وقوله مع عدوانهم على عبد الله بن سهيل، أي فإنه وجد قتيلا في خيبر لأهل حصن الشق، فسألهم أخوه محيصة، فقالوا له: لا والله ما لنا به من علم، قال:
فجئت أنا وأخي عبد الرحمن وأخي حويصة وهو أكبرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أخي عبد الرحمن يتكلم وهو أصغرنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كبر كبر فسكت، فأردت