معه، فلما افتتح خيبر رضخ لنا وأخذ هذه القلادة ووضعها في عنقي، فو الله لا تفارقني أبدا، وأوصت أنها تدفن معها» . زاد في السيرة الهشامية «أنها قالت: وكنت جارية حديثة السن، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، قالت: فلما كان الصبح وأناخ راحلته ونزلت عن حقيبة رحله، وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها.
قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالي قال: ما لك؟
لعلك نفست، قالت: قلت نعم، قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمرتحلك» قالت:
فكنت لا أطهر من حيضة إلا جعلت في طهري ملحا، وأوصت أن يجعل ذلك في غسلها حين ماتت.
ثم دفع صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر الأرض لما قالوا له صلى الله عليه وسلم: نحن أعلم بها منكم، وأعمرها بشرط ما يخرج منها من تمر أو زرع، وقال لهم: على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. أي وهذا يخاف ما عليه أئمتنا من أنه لا يجوز في عقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه: أقركم ما شئنا، بخلاف ما شئتم، لأنه تصريح بمقتضى العقد، لأن لهم نبذ العقد شاؤوا. وذكر أئمتنا أنه يجوز منه صلى الله عليه وسلم لا منا أن يقول:
أقررتكم ما شاء الله لأنه يعلم مشيئة الله دوننا، والشطر في هذا ظاهر في النصف، ولم أقف على تعيينه في رواية.
وكان صلى الله عليه وسلم يرسل إلى أهل خيبر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه خارصا. قيل وإنما خرص عليهم عبد الله عاما واحدا؛ ثم مات، وهذا يخالفه قول بعضهم: كان عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه يأتيهم كل عام يخرصها يعني الثمار عليهم ثم يضمنهم الشطر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدّة خرصه، وأرادوا أن يرشوه، فقال:
يا أعداء الله تطعموني السحت، والله لقد جئتم من عند أحب الناس إليّ، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، وكان يخرص عليهم بعده جبار بن صخر، وكان خارصا لأهل المدينة.
أقول: أي ساقاهم على النخل، وزارعهم على الأرض، هكذا استدل بذلك أئمتنا على ما ذكر: أي على جواز المساقاة، وجواز المزارعة تبعا لها، ويكون ذلك مخصصا للنهي عن المزارعة: أي ما لم تكن تبعا للمساقاة، وهو لا يتم إلا إن كانت أرض خيبر جميعها بين النخل بحيث يعسر سقيها بدون النخل، وأنه صلى الله عليه وسلم دفع لهم بذرا لأن في المزارعة يجب أن يكون البذر من المالك لا من العامل.
ولم أقف في شيء من الطرق على أنه صلى الله عليه وسلم دفع لهم بذرا، بل ظاهر الروايات يدل على أن البذر معهم، وصرحت به رواية مسلم.