حدّثت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الوقعة قال لها: لقد حدث في خزاعة حدث، قالت: فقلت: يا رسول الله أترى قريشا يجترئون على نقض العهد الذي بينك وبينهم؟ فقال: ينقضون العهد لأمر يريده الله، فقلت: خير، قال خير، وفي لفظ قالت: لخير أو لشر؟ قال لخير.
وعن ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها ليلة، فقام ليتوضأ للصلاة، قالت: فسمعته يقول لبيك لبيك ثلاثا. نصرت نصرت نصرت ثلاثا، فلما خرج قلت: يا رسول الله سمعتك تقول لبيك لبيك لبيك ثلاثا نصرت نصرت نصرت ثلاثا كأنك تكلم إنسانا، فهل كان معك أحد؟ قال: هذا راجز بني كعب يعني خزاعة يزعم أن قريشا أعانت عليهم بكر بن وائل: أي بطنا منهم وهم بنو نفاثة، قالت ميمونة: فأقمنا ثلاثا، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فسمعت الراجز يقول:
يا رب إني ناشد محمدا
إلى آخر ما تقدم، انتهى.
وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن سالم وأصحابه: فيمن تهمتكم؟ قالوا: بنو بكر، قال: كلها؟ قالوا: لا ولكن بنو نفاثة، قال: هذا بطن من بكر.
ولما ندمت قريش على نقضهم العهد أرسلوا أبا سفيان ليشد العقد ويزيد في المدة، فقالوا له: ما لها سواك، اخرج إلى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة، فخرج أبو سفيان ومولى له على راحلتين فأسرع السير، لأنه يرى أنه أوّل من خرج من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس قبل قدوم أبي سفيان:
كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة، وهو راجع بسخطه، ثم رجع أولئك الركب من خزاعة، فلما كانوا بعسفان لقوا أبا سفيان، أي ومولى له كلّ على راحلة وقد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد في المدة، وقد خافوا مما صنعوا، فسألهم: هل ذهبتم إلى المدينة؟ قالوا: لا، وتركوه وذهبوا، فجاء إلى مبركهم بعد أن فارقوه، فأخذ بعرا وفته فوجد فيه النوى، فعلم أنهم ذهبوا إلى المدينة الشريفة.
قال: وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن سالم وأصحابه: ارجعوا وتفرقوا في الأودية، أي ليخفي مجيئهم للنبي صلى الله عليه وسلم. فرجعوا وتفرقّوا، فذهبت فرقة إلى الساحل، أي وفيهم عمرو بن سالم. وفرقة فيهم بديل بن ورقاء لزمت الطريق، وأن أبا سفيان لقي بديل بن ورقاء بعسفان، فأشفق أبو سفيان أن يكون بديل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فقال للقوم: أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها، فقالوا: لا علم لنا بها، أي وقالوا: إنما كنا في الساحل نصلح بين الناس في قتل. ثم صبر أبو سفيان حتى ذهب أولئك القوم. وفي لفظ قال: من أين أقبلت يا بديل؟ قال: سرت إلى خزاعة في هذا