قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر. وعند قول عمر رضي الله عنه: دعني لأضرب عنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنه قد شهد بدرا، وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وفي رواية «فقد وجبت لكم الجنة» وفي رواية: «لا يدخل النار أحد شهد بدرا» فعند ذلك فاضت عينا عمر رضي الله عنه بالبكاء، أي وأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة: الآية ١] الآيات. وفي قوله: عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ [الممتحنة:
الآية ١] منقبة عظيمة لحاطب رضي الله عنه بأن في ذلك الشهادة له بالإيمان، وقوله:
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة: الآية ١] أي تبدونها لهم، وذكر بعضهم أن البلتعة في اللغة: التظرف بالظاء المشالة، يقال تبلتع في كلامه: إذا تظرف فيه.
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن الحصين الغفاري، وقيل ابن أم مكتوم وبه جزم الحافظ الدمياطي في سيرته. وخرج لعشر، وقيل لليلتين، وقيل لثنتي عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل سبع عشرة، وقيل ثمان عشرة، وهو في مسند الإمام أحمد بسند صحيح. قال ابن القيم: إنه أصح من قول من قال إنه خرج لعشر خلون من رمضان، أي وصدّر به في الإمتاع، وقيل خرج لتسع عشرة مضين من شهر رمضان في سنة ثمان. قال في النور لا أعلم خلافا في الشهر والسنة.
وما في البخاري أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة، أي فيكون في السنة التاسعة فيه نظر، وكان صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف، أي باعتبار من لحقه في الطريق من القبائل كبني أسد وسليم، ولم يتخلف عند أحد من المهاجرين والأنصار، وكان المهاجرون سبعمائة ومعهم ثلاثمائة فرس، وكانت الأنصار أربعة آلاف ومعهم خمسمائة فرس، وكانت مزينة ألفا وفيها مائة فرس، وكانت أسلم أربعمائة ومعها ثلاثون فرسا، وكانت جهينة ثمانمائة ومعها خمسون فرسا، وقيل كان صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا.
ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى الأبواء أو قريبا منها لقيه أبو سفيان ابن عمه الحارث وكان الحارث أكبر أولاد عبد المطلب، وكان يكنى به كما تقدم، وكان أبو سفيان أخاه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على حليمة كما تقدم، ولقيه عبد الله بن أمية بن المغيرة ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب أخو أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها لأبيها، لأن والدة أم سلمة عاتكة بنت جندل الطعان، وكان عند أبيها أمية بن المغيرة زوجتان أيضا كل منهما تسمى عاتكة، فكان عنده أربع عواتك. وكان مجيء الحارث وعبد الله له صلى الله عليه وسلم يريدان الإسلام، وكانا رضي الله تعالى عنهما من أكبر القائمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أشد الناس إذاية له صلى الله عليه وسلم، أي بعد أن كان الحارث قبل النبوة آلف الناس له صلى الله عليه وسلم