لا يفارقه كما تقدم، وقد تقدم بعض ذكر أذيتهما له صلى الله عليه وسلم، فأعرض صلى الله عليه وسلم عنهما فكلمته أم سلمة رضي الله عنها فيهما: أي قالت له: لا يكون ابن عمك وابن عمتك أي وصهرك أشقى الناس بك، فقال صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي: يعني أبا سفيان فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري يعني عبد الله أخا أم سلمة فهو الذي قال لي بمكة ما قال: أي قال له: والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا أنظر إليك، ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون لك أن الله أرسلك إلى آخر ما تقدم. فلما خرج الخبر إليهما، قال أبو سفيان ومعه ابن له: والله ليأذننّ لي أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت جوعا وعطشا، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما، ثم أذن لهما فدخلا عليه وأسلما وقبل صلى الله عليه وسلم إسلامهما.
وقيل إن عليا كرم الله وجهه قال لأبي سفيان: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ [يوسف: الآية ٩١] ، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولا منه ففعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَثْرِيبَ [يوسف: الآية ٩٢] عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. وكان أبو سفيان رضي الله عنه بعد ذلك لا يرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لأنه عاداه صلى الله عليه وسلم نحو عشرين سنة يهجوه ولم يتخلف عن قتاله. وكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يحبه ويشهد له بالجنة، ويقول: أرجو أن يكون خلفا من حمزة رضي الله عنهما، أي وقال له صلى الله عليه وسلم يوما:«الصيد كل الصيد في جوف الفرا» وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم: «أنت يا أبا سفيان كما قيل: كل الصيد في جوف الفرا» .
وفي سفره صلى الله عليه وسلم صام وصام الناس، حتى إذا كانوا بالكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة الأولى: أي وهو محل بين عسفان وقديد أفطر، أي وقيل أفطر بعسفان، وقيل أفطر بقديد، وقيل أفطر بكراع الغميم. ولا منافاة لتقارب الأمكنة.
وقال بعضهم: لا مانع أن يكون صلى الله عليه وسلم كرر الفطر في تلك الأماكن لتتساوى الناس في رؤية ذلك، فأخبر كل منهم عن محل رؤيته.
قال: وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج ووصل إلى محل يقال له الصلصال قدم أمامه الزبير بن العوام رضي الله عنه في مائتين، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر.
أي وفي الإمتاع: لما خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة نادى مناديه: من أحب أن يصوم فليصم، وفي بعض الأيام صب رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه الماء ووجهه من شدة العطش، وفي لفظ: من شدة الحر وهو صائم.
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ الكديد بلغه أن الناس شق عليهم الصيام، أي وأنهم