وأنت لو أبصرتنا بالخندمه ... إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمه
واستقبلتنا بالسيوف المسلمه ... يقطعن كل ساعد وجمجمه
ضربا فلا تسمع إلا غمغمه ... لهم نهيت حولنا وهمهمه
لا تنطقي في اللوم أدنى كلمه
والغمغة: الصوت الذي لا يفهم. والنهيت بالمثناة تحت وفوق: الزحير.
والهمهمة: صوت في الصدر.
أي واستمر خالد رضي الله تعالى عنه يدفعهم إلى أن وصل الحزورة إلى باب المسجد أي وصعدت طائفة منهم الجبل فتبعهم المسلمون، فرأى صلى الله عليه وسلم وهو على العقبة بارقة السيوف، فقال: ما هذا وقد نهيت عن القتال؟ فقيل له: لعل خالدا قوتل وبدىء بالقتال، فلم يكن له بد من أن يقاتل من يقاتله، وما كان يا رسول الله ليخالف أمرك، فقتل من المشركين أربعة وعشرون من قريش، وأربعة من هذيل.
وفي رواية جعل صلى الله عليه وسلم الزبير رضي الله تعالى عنه على إحدى المجنبتين: أي وهما الكتيبتان، تأخذ أحداهما اليمين والأخرى اليسار والقلب بينهما، وخالدا على الأخرى، وأبا عبيدة على الرجالة.
وفي لفظ: على الحسر بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة: أي الذين لا دروع لهم. قال في شرح مسلم: فهم رجالة لا دروع عليهم، وقد أخذوا بطن الوادي، ولعل ذلك كان قبل الدخول إلى مكة، فلا ينافي ما سيأتي أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير رضي الله تعالى عنه راية، وأمره أن يغرزها بالحجون، لا يبرح حتى يأتيه في ذلك المحل وفي ذلك المحل بني مسجد يقال له مسجد الراية.
وقد بوّشت قريش أبواشا: أي جمعوها من قبائل شتى، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله تعالى عنه وقال له. اهتف: أي صح لي بالأنصار، فهتف بهم، فجاؤوا وطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم بيديه إحداهما على الأخرى: احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا: أي ودخلوا من أعلى مكة. قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء وما أحد يوجه إلينا منهم شيئا. وفي لفظ: فما نشاء أن نقتل أحدا منهم إلا قتلناه: أي لا يقدر أن يدفع عن نفسه، فجاء أبو سفيان رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش: أي لا جماعة لقريش بعد اليوم، لأن الجماعة المجتمعة يعبر عنها بالسواد الأعظم، فيقال السواد الأعظم، ويعبر عنها بالخضرة كما هنا، فالمراد جماعة قريش، وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم:«من أغلق بابه فهو آمن» .