قال: ووجه صلى الله عليه وسلم اللوم على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه. وقال له: لم قاتلت وقد نهيت عن القتال؟ قال: هم يا رسول الله بدؤونا بالقتال ورمونا بالنبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، ودعوتهم إلى الإسلام فأبوا، حتى إذا لم أجد بدا من أن أقاتلهم فظفرنا الله بهم فهربوا من كل وجه.
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار عنده: يا فلان، قال: لبيك يا رسول الله، قال: ائت خالد بن الوليد وقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل بمكة أحدا، فجاء الأنصاري فقال: يا خالد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل من لقيت من الناس، فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا بمكة. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من قريش فقال: يا رسول الله هلكت قريش، لا قريش بعد اليوم. قال: ولم؟ قال: هذا خالد بن الوليد لا يلقى أحدا من الناس إلا قتله، قال: ادع لي خالدا، فدعاه له، فقال: يا خالد ألم أرسل إليك أن لا تقتل أحدا؟ قال: بل أرسلت إن اقتل من قدرت عليه. قال صلى الله عليه وسلم: ادع لي الأنصاري، فدعاه له، فقال: أما أمرتك أن تأمر خالدا أن لا يقتل أحدا، قال: بلى ولكنك أردت أمرا وأراد الله غيره، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل للأنصاري شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كف عن الطلب، قال: قد فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قضى الله أمرا، ثم قال: كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر، وهي الساعة التي أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أي وهذه المقاتلة التي وقعت لخالد رضي الله تعالى عنه لا تنافي كون مكة فتحت صالحا كما تقدم، أي لأنه صلى الله عليه وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن» فهو من زيادة الاحتياط لهم في الأمان.
وقوله احصدوهم حصدا محمول على من أظهر من الكفار القتال ولم يقع قتال، ومن ثم قتل خالد رضي الله تعالى عنه من قاتل من الكفار، وإرادة علي كرم وجهه قتل الرجلين اللذين أمنتهما أخته أم هانىء كما سيأتي لعله تأول فيهما شيئا أو جرى منهما قتال له وتأمين أم هانىء لهما من تأكيد الأمان الذي وقع للعموم، فلا حجة في كل ما ذكر على أن مكة فتحت عنوة كما قاله الجمهور.
وقيل أعلاها فتح صالحا: أي الذي سلكه أبو هريرة والأنصار لعدم وجود المقاتلة فيه، وأسلفها الذي سلكه خالد رضي الله عنه فتح عنوة لوجود المقاتلة فيه كما تقدم.