ودخل صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب على ناقته القصواء: أي مردفا أسامة بن زيد بكرة يوم الجمعة معتجرا بشقة برد حبرة حمراء، واضعا رأسه الشريف على رحله تواضعا لله تعالى، حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى مكة وكثرة المسلمين، ثم قال:«اللهم إن العيش عيش الآخرة» .
وقيل دخل صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه المغفر، وقيل وعليه عمامة سوداء حرقانية قد أرخى طرفيها بين كتفيه بغير إحرام، ورايته سوداء ولواؤه أسود.
وعن جابر رضي الله تعالى عنه:«كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة أبيض» وعن عائشة رضي الله تعالى عنها «كان لواؤه يوم الفتح أبيض. ورايته سوداء تسمى العقاب» أي وهي التي كانت بخيبر، وتقدم أنها كانت من برد عائشة.
وعنها رضي الله تعالى عنها أنها قالت:«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كداء» بفتح الكاف والمد والتنوين «من أعلى مكة» وهذا هو المعروف خلافا لمن قال إنه دخل من أسفل مكة، وهي ثنية كدى بضم الكاف والقصر والتنوين، وسيأتي أنه عند الخروج خرج صلى الله عليه وسلم من هذه، وبهذا استدل أئمتنا على أنه يستحب دخول مكة من الأولى، والخروج منها من الثانية، أي واغتسل صلى الله عليه وسلم لدخول مكة كما حكاه إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم، وبه استدل على استحباب الغسل لداخل مكة ولو حلالا أي وسيأتي ذلك عن أم هانىء رضي الله تعالى عنها، أي وكان شعار المهاجرين «يا بني عبد الرحمن» وشعار الخزرج «يا بني عبد الله» وشعار الأوس «يا بني عبيد الله» أي شعارهم الذي يعرف به بعضهم بعضا في ظلمة الليل، وعند اختلاط الحرب لو وجد.
ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واطمأن الناس، قال وذلك بالحجون: موضع ما غرز الزبير رضي الله تعالى عنه رايته صلى الله عليه وسلم عند شعب أبي طالب الذي حصرت فيه بنو هاشم، أي وبنو المطلب قبل الهجرة، بقبة من أدم نصبت له هناك ومعه صلى الله عليه وسلم فيها أم سلمة وميمونة زوجتاه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما.
فعن جابر رضي الله تعالى عنه:«لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوت مكة وقف، فحمد الله وأثنى عليه ونظر إلى موضع قبته، وقال: هذا منزلنا يا جابر حيث تقاسمت قريش علينا، قال جابر رضي الله تعالى عنه: فذكرت حديثا كنت سمعته منه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بالمدينة: «منزلنا إذا فتح الله تعالى علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» : أي لأنّ قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما تقدم في قصة الصحيفة انتهى، وفيه أنه سيأتي في حجة الوداع أنهم تحالفوا بالمحصب.