قصدت منهم القنا فقوافي الطع ... ن منها ما شأنها الايطاء
وأثارت بأرض مكة نقعا ... ظن أن الغدو منها عشاء
أحجمت عنده الحجون وأكدى ... دون إعطائه القليل كداء
ودهت أوجها بها وبيوتا ... ملّ منها الإقواء والإكفاء
فدعوا أحلم البرية والعف ... وجواب الحليم والإغضاء
ناشدوه القربى التي من قريش ... قطعتها الترات والشحناء
فعفا عفو قادر لم ينغص ... هـ عليهم بما مضى إغراء
وإذا كان القطع والوصل ... لله تساوى التقريب والإقصاء
وسواء عليه فيما أتاه ... من سواه الملام والإطراء
ولو إن انتقامه لهوى النف ... س لدامت قطيعة وجفاء
قام لله في الأمور فأرضى ... الله عنه تباين ووفاء
فعله كله جميل وهل ين ... ضح إلا بما حواه الإناء
أي ألقت قومه الذين لم يؤمنوا به بين يديه حبائل بغيهم التي مدها المكر والدهاء حالة كون ذلك منهم، فبسبب مكرهم أتتهم من قبله خيل تتبختر بها راكبوها إلى الحرب والخيل عليها الشجعان كبر وترفع في الحرب، قصدت في أبدانهم الرماح، فبسبب قصدها بهم كانت الطعنات المشبهة بالقوافي في تتابعها حالة كون ذلك الطعن من تلك الرماح، ما عابها الإيطاء: أي لم يعدم وجوده فيها. والإيطاء في القافية: تكريرها متحدة اللفظ والمعنى وهو معيب على الشاعر، لأنه يدل على قصوره. والطعنات المتوالية في محل واحد تدل على قصر ساعد الشجاع. ورفعت تلك الخيل غبارا أظلم الجو حتى ظن أن وقت الغدو من تلك الغبرة وقت العشاء، وذلك بأرض مكة عند فتحها، أمسكت عند ذلك الغبار لكثرته الحجون، وهو كداء بالفتح والمد: أعلى مكة لكثرة ما أعطاه صلى الله عليه وسلم الناس، وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم القليل من الناس كداء بالضم والمد: وهو أسفل مكة، وهذه لغة فيه قليلة، وعند ذلك قلّ غباره، وأهلكت تلك الخيول أوجها من الناس بمكة ممن أباح دمه ومن قاتل، وأهلكت بيوتا كان أهل مكة يرجعون إليها. ملّ من تلك البيوت: خلوّها عن أنس بها والرجوع إليها، وعند ذلك طلبوا منه العفو عما مضى منهم، وجواب الحليم لمن سأله العفو عنه العفو. وإرخاء الجفون من الحياء، وحلفوه بالقربى التي وصلت إليه من بطون قريش، وهم ولد النضر بن كنانة التي قطعتها المقاتلة والتباغض والتحاسد، فبسبب ذلك عفا صلى الله عليه وسلم عفو قادر، لم يكدر ذلك العفو عنهم إغراء سفهائهم به حالة