كون ذلك الإغراء منهم فيما مضى، وإذا كان القطع والوصل لله تساوى عند فاعل ذلك التقريب للأقارب والبعداء والإبعاد للأقارب والبعداء، والذي تقريبه وإبعاده لله لا لغيره يستوي عنده سبه والمبالغة في مدحه إذا أتاه ذلك من غيره، ومن ثم لو كان انتقامه لهوى النفس الأمارة بالسوء لاستمرت قطيعه الرحم ودام إبعاده لها. كيف وقد قام لله في أموره كلها، فبسبب ذلك أرضى الله تباين منه صلى الله عليه وسلم لأعدائه ووفاء لأوليائه، فعله صلى الله عليه وسلم كله جميل. ولا بدع في ذلك، إذ ما يسيل مما في الإناء على ظاهره إلا ما كان في تلك الإناء ممن امتلأ قلبه خيرا كانت أفعاله كلها خيرا ومن امتلأ قلبه شرا كانت أفعاله كلها شرا.
ثم جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد ومفتاح الكعبة في يده في كمه، فقام إليه علي كرم الله وجهه، فقال: يا رسول الله اجمع لنا. وفي لفظ: اجمع لي الحجابة مع السقاية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما أعطيكم ما تبذلون فيه أموالكم للناس: أي وهو السقاية، لا ما تأخذون فيه من الناس أموالهم، وهي الحجابة لشرفكم وعلو مقامكم.
وفي رواية: أن العباس رضي الله عنه تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم أي منهم علي كرم الله وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين عثمان بن طلحة فدعى له، فقال: هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم برّ ووفاء» .
وقيل نزلت هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النّساء: الآية ٥٨] في شأن عثمان بن طلحة رضي الله عنه، ودفع المفتاح له: أي لما أخذه عليّ كرم الله وجهه، وقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية، فقال صلى الله عليه وسلم لعلي:«أكرهت وآذيت» ، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه، فقد أنزل الله في شأنك: أي أنزل الله عليه ذلك في جوف الكعبة، وقرأ عليه الآية، ففعل عليّ كرم الله وجهه ذلك.
وسياق هذه الرواية يدل على أن عليا كرم الله وجهه أخذ المفتاح على أن لا يرده لعثمان، فلما نزلت الآية أمره صلى الله عليه وسلم أن يرد المفتاح لعثمان.
والسقاية كما تقدم كانت أحواضا من أدم يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاج، ويطرح فيها التمر والزبيب في بعض الأوقات.
وفي كلام الأزرقي: كان لزمزم حوضان: حوض بينها وبين الركن يشرب منه، وحوض من ورائه للوضوء، أي ولعل هذا كان بعد الفتح.
والسقاية قام بها العباس رضي الله عنه بعد موت أبيه عبد المطلب، وقام بها بعده ولده عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. وقد تكلم فيها محمد ابن الحنفية مع ابن عباس، فقال له ابن عباس: ما لك ولها؟ نحن أولى بها في الجاهلية والإسلام، قام بها العباس بعد موت أبيه عبد المطلب، وأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس يوم