أي «وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة أي بعد فتحها تسعة عشر، وقيل ثمانية عشر يوما» واعتمده البخاري «يقصر الصلاة في مدة إقامته» . وبهذا الثاني قال أئمتنا إن من أقام بمحل لحاجة يتوقعها كل وقت قصر ثمانية عشر يوما غير يومي الدخول والخروج، ولعل سبب إقامته المدة المذكورة أنه كان يترجى حصول المال الذي فرقه في أهل الضعف من أصحابه، فلما لم يتم له ذلك خرج من مكة إلى حنين لحرب هوازن.
وجاء إليه صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص، وقد أخذ بيد ابن وليدة زمعة ومعه عبد بن زمعة، فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إليّ أنه ابنه:
أي قال إذا قدمت مكة انظر إلى ابن وليدة زمعة فإنه مني فاقبضه إليك، فقال عبد بن زمعة: يا رسول الله هذا أخي ابن وليدة أبي زمعة ولدته على فراشه: أي مع كونها فراشا له، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الولد فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص، فقال لعبد بن زمعة: هو أخوك يا عبد بن زمعة من أجل أنه ولد على فراش أبيك زمعة «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وقال لزوجته سودة بنت زمعة «احتجبي منه يا سودة لما رأى عليه من شبه عتبة: أي فخشي أن يكون ابن خاله فأمرها بالاحتجاب ندبا واحتياطا، فلم يرها حتى لقي الله. وفي بعض الروايات «احتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ» .
وسرقت امرأة فأراد صلى الله عليه وسلم قطعها ففزع قومها إلى أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم يستشفعون به، فلما كلمه أسامة فيها تلون وجهه صلى الله عليه وسلم وقال:«أتكلمني في حد من حدود الله تعالى؟ فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، ثم قام صلى الله عليه وسلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه» وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها» . وفي كلام بعضهم: كانت العرب في الجاهلية يقطعون يد السارق اليمنى.
وولى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه وعمره إحدى وعشرون سنة أمر مكة، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس، وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة، وترك صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بمكة معه معلما للناس السنن والفقه.
في الكشاف، وعنه صلى الله عليه وسلم:«أنه استعمل عتاب بن أسيد على أهل مكة وقال:
انطلق فقد استعملتك على أهل الله، أي وقال ذلك ثلاثا» فكان رضي الله عنه شديدا على المريب لينا على المؤمن، وقال: والله لا أعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق. فقال أهل مكة: يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله عتاب بن أسيد أعرابيا جافيا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني