رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالا شديدا حتى فتح له فدخلها فأعز الله به الإسلام فنصرته للمسلمين على من يريد ظلمهم» هذا.
وفي تاريخ الأزرقي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لقد رأيت أسيدا في الجنة وأني أي كيف يدخل أسيد الجنة فعرض له عتاب بن أسيد، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا الذي رأيت، ادعوه لي، فدعى له. فاستعمله يومئذ على مكة، ثم قال: يا عتاب أتدري على من استعملتك؟ استعملتك على أهل الله فاستوص بهم خيرا يقولها ثلاثا» .
فإن قيل: كيف يقول صلى الله عليه وسلم عن أسيد إنه رآه في الجنة ثم يقول عن ولد أسيد إنه الذي رآه في الجنة، قلنا لعل عتابا كان شديد الشبه بأبيه أسيد، فظن صلى الله عليه وسلم عتابا أباه، فلما رآه عرف أنه عتاب لا أسيد.
وفي كلام سبط ابن الجوزي: عتاب بن أسيد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة لما خرج إلى حنين وعمره ثماني عشرة سنة. وفي كلام غيره ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم إنما استخلف عتاب بن أسيد وترك معه معاذ بن جبل بعد عوده من الطائف وعمرته من الجعرانة، إلا أن يقال: لا مخالفة، ومراده باستخلافه إبقاءه على ذلك، وينبغي أن يكون ما تقدم عن الكشاف من قول أهل مكة له صلى الله عليه وسلم:«لقد استخلفت على أهل الله عتاب بن أسيد» إلى آخره بعد إبقائه على استخلافه لما لا يخفى.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن أسيدا والد عتاب واليا على مكة مسلما فمات على الكفر، فكانت الرؤيا لولده، كما تقدم مثل ذلك في أبي جهل وولده عكرمة رضي الله تعالى عنه.
ولما ولاه صلى الله عليه وسلم على مكة جعل له في كل يوم درهما، فكان رضي الله تعالى عنه يقول: لا أشبع الله بطنا جاع على درهم في كل يوم.
ويروى أنه قام فخطب الناس، فقال: يا أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم: أي له درهم، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما في كل يوم، فليست لي حاجة إلى أحد.
وعن جابر رضي الله تعالى عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وفرض له عمالته أربعين أوقية من فضة» ولعل الدرهم كل يوم يحرز القدر المذكور: أي أربعين أوقية في السنة فلا مخالفة.
وفي السنن الكبرى للبيهقي: وولد عتاب هذا عبد الرحمن الذي قطعت يده يوم الجمل واحتملها النسر وألقاها بمكة، وقيل بالمدينة. كان يقال له يعسوب قريش.