أي في بني إسرائيل- ثم مات فأخذوه وألقوه في مزبلة، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن أخرجه فصل عليه، قال: يا رب إن بني إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائة سنة، فأوحى الله إليه: هكذا، إلا أنه كان كلما نشر التوراة ونظر إلى اسم محمد قبله ووضعه على عينيه، فشكرت له ذلك وغفرت له وزوجته سعبين حوراء» .
ومن الفوائد أنه جرت عادة كثير من الناس إذا سمعوا بذكر وضعه صلى الله عليه وسلم أن يقوموا تعظيما له صلى الله عليه وسلم، وهذا القيام بدعة لا أصل لها: أي لكن هي بدعة حسنة، لأنه ليس كل بدعة مذمومة. وقد قال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في اجتماع الناس لصلاة التراويح: نعمت البدعة. وقد قال العز بن عبد السلام: إن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة، وذكر من أمثلة كل ما يطول ذكره.
ولا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا. أي شرعنا- ما ليس منه فهو رد عليه» لأن هذا عام أريد به خاص. فقد قال: إمامنا الشافعي قدس الله سره: ما أحدث وخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا فهو البدعة الضلالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك فهو البدعة المحمودة. وقد وجد القيام عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم من عالم الأمة ومقتدي الأئمة دينا وورعا الإمام تقي الدين السبكي، وتابعه على ذلك مشايخ الإسلام في عصره، فقد حكى بعضهم أن الإمام السبكي اجتمع عنده جمع كثير من علماء عصره فأنشد منشد قول الصرصري في مدحه صلى الله عليه وسلم:
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب ... على ورق من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سماعه ... قياما صفوفا أو جثيا على الركب
فعند ذلك قام الإمام السبكي رحمه الله وجميع من في المجلس، فحصل أنس كبير بذلك المجلس، ويكفي مثل ذلك في الاقتداء.
وقد قال ابن حجر الهيتمي: والحاصل أن البدعة الحسنة متفق على ندبها، وعمل المولد واجتماع الناس له كذلك أي بدعة حسنة، ومن ثم قال الإمام أبو شامة شيخ الإمام النووي: ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكر الله على ما منّ به من إيجاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين، هذا كلامه.
قال السخاوي: لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون