قال: لا، ثم أدبر، فقام إليه خالد رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال لا لعله أن يكون يصلي، قال خالد رضي الله عنه: وكم مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم» .
وفي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«بعث علي كرم الله وجهه وهو باليمن بذهبة في تربتها، أي لم تخلص من ترابها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر، وعلقمة بن علاثة وزيد الخير، فغضبت قريش فقالوا: يعطي صناديد نجد ويدعنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم، فجاء رجل فقال: اتق الله يا محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يطع الله إن عصيته! يأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟» وفي رواية: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحا ومساء، فجاء رجل فقال ما تقدّم، فقال له: ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟» .
ولعل هذه القسمة غير قسمة غنائم حنين، وأن الرجل الذي قال له ما ذكر يحتمل أن يكون واحدا منهما أو من شيعة ذلك الرجل الذي قال في أحدهما.
وذكر بعضهم أن ذا الخويصرة أصل الخوارج، وأنه صلى الله عليه وسلم قال:«دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية» وفي رواية: «قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله دعني فأقتل هذا المنافق، فقال:
معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه» أي جماعة يخرجون من صلبه فهو أصل الخوارج: «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم» وفي لفظ:
«تراقيهم، لا تفقهه قلوبهم، ليس لهم حظ منه إلا تلاوة الفم، وإنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود» أي قتلا مستأصلا لعامتهم. وفي رواية:«إذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة» وبهذا استدل من يقول بجواز قتل الخوارج. وقد قاتلهم عليّ كرم الله وجهه. وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الخوارج، أهم كفار؟ فقال:«من الكفر فروا، فقيل: أمنافقون؟ فقال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرون الله كثيرا فقيل: ما هم؟ فقال: أصابتهم فتنة فعموا وصموا» فلم يجعلهم صلى الله عليه وسلم كفارا لأنهم تعلقوا بضرب من التأويل.
وحينئذ يكون المراد بالدين في وصفهم بالمروق من الدين الطاعة لا الملة، ويبعده رواية بدل الإيمان: الإسلام، وكان مصداق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ذا الخويصرة خرج منه حرقوص المعروف بذي الثدية، وهو أول من بويع من الخوارج بالأمانة.