والخوارج قوم يكفرون مرتكب الكبيرة، ويحكمون بحبوط عمل مرتكبها وتخليده في النار، ويحكمون بأن دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار كفر ولا يصلون جماعة.
وسبب مقاتلة سيدنا علي كرّم الله وجهه لهم أنهم نقموا عليه التحكيم الذي وقع بينه وبين معاوية في صفين، وقالوا لا حكم إلا الله، وأنت كفرت حيث حكمت الحكمين، فإن شهدت على نفسك أنك كفرت فيما كان من تحكيمك الحكمين واستأنفت التوبة والإيمان نظرنا فيما سألتنا من الرجوع إليك، وإن تكن الأخرى فإنا ننابذك على سواء وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ [يوسف: الآية ٥٢] فلما أيس من رجوعهم إليه قاتلهم. وحرقوص هذا أول مارق من الدين، وكان رجلا أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة. فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم:«إن فيهم رجلا له عصد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض» .
ولما قاتلهم علي كرّم الله وجهه وقتل غالبهم التمس ذلك الرجل فأتي به، فإذا هو له ثدي كثدي المرأة. وفي رواية التمسوه في القتلى فلم يجدوه، فقال عليّ كرم الله وجهه بنفسه فطاف في القتلى فأخرجوه من بينهم، فكبر عليّ كرم الله وجهه، ثم قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول «إن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض» فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: يا أمير المؤمنين: والله الذي لا إله إلا هو أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجدوا في أنفسهم» أي غضبوا «حتى كثرت منهم القالة» أي وهي القول الرديء «أي حتى قال بعضهم إن هذا لهو العجب يعطي قريشا» وفي لفظ: «الألفاء والمهاجرين، ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم» أي وفي لفظ: «إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا تقطر من دماء قريش، وإن غنائمنا تردّ عليهم» وفي رواية: «إذا كانت شديدة ندعى إليها ويعطي الغنيمة غيرنا» وفي رواية: «سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم، فإن كان من أمر الله صبرنا، وإن كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه، فدخل عليه سعد بن عبادة رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم» ، أي غضبوا «لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة» أي وهي قبة من أدم. أي وفي